رؤيته ، وسعة حيلته ، يمكنه إحضار حيّ ، وإبعاد ميّت عند دعوة المتنبّئ.
والقول في الجسم كمثله (١) ؛ لأنّه يتمكّن من إحضار أيّ جسم شاء في طرفة عين ، بغير زمان متراخ.
وهذا أيضا متأتّ في نقل الجبال واقتلاع المدن لو ادّعاه مدّع ؛ لأنّه إن أظهر تولّي ذلك بجوارحه أمكن الجنّيّ أن يتحمّل عنه النّقل ، ويكافئ ما في المحمول من الاعتمادات بأفعاله ، فلا يحصل على المظهر لحمله شيء من الكلفة.
وإن لم يتولّه المدّعي بنفسه ، بل ادّعى وقوعه وحصوله فقط ، فالجنّيّ يكفيه بوقوعه على حسب دعواه ، ويضيفه هو إلى ربّه.
فقد عادت الحال إلى الشّكّ في المعجزات واستعمال جوابنا الّذي أنكرتموه ، وهو أنّ القديم تعالى يمنع الجنّيّ من مثل هذا إذا كان جاريا مجرى الاستفساد ، وإلّا فما الجواب؟! (٢)
فقلت له : أمّا اقتلاع المدن وحمل الجبال وما جرى مجراها ، فليس يجوز أن يكون فعلا لملك ولا لجنّيّ ، وهما على ما هما عليه من الرّقّة واللّطافة والتّخلخل ؛ لأنّ هذه الأفعال إذا وقعت ممّن ليس بقادر لنفسه احتاجت إلى قدر كثيرة بحسبها ، وزيادة القدر تحتاج إلى زيادة في البنية ، وصلابة أيضا مخصوصة ،
__________________
(١) في الأصل : كمثل.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٠ : «فإن قيل : سؤال الجنّ يطرّق أن يجوز فيمن ظهر على يده إحياء ميّت أن لا يكون صادقا ، بل يكون الجنّي أحضر من بعد حيّا وأبعد هذا الميّت ؛ لأنّ خفاء رؤيته وسعة حيلته يتمّ نعمها (؟) قبل ذلك ، وأنّ مدّعي النبوّة ادّعى معجزا له نقل جبل أو اقتلاع مدينة ، ووقع ذلك ، جوّزنا أن يكون الجنّ تولّوه وفعلوه. ولو أنّ المدّعي تولّى ذلك بجوارحه جاز في الجنّي أن يتحمّل عنه ذلك النقل ولا يحصل عليه شيء من تكلّف ذلك النقل. وهذا قدح في جميع المعجزات ، أو الرجوع إلى أنّ الله تعالى يمنع من الاستفساد ، وأنتم لا ترتضون بذلك».