ولهذا لا يجوز أن تحلّ النّملة من القدر ما يحلّ الفيل ، وإنّما نجيز ذلك بأن يزاد في بنيتها ، ويعظم من خلقتها.
فالجنّيّ إذا تمكّن من حمل جبل أو مدينة ، فلا بدّ أن تكثف بنيته ، وتكبر جثّته. وإذا حصل كذلك لم يخف على العيون السّليمة رؤيته ، ووجب أن يكون مشاهدا كما نشاهد سائر الأجسام الكثيفة.
وإذا اقتلع مدّع للنّبوّة مدينة ، أو ادّعى أنّه سينقلها (١) ، أو ينتقل من مكان إلى غيره ، ووقع ما ادّعاه من غير أن نشاهد جسما كثيفا تولّاه أو أعان عليه ، بطل أن يكون من فعل الجنّ.
ولا فرق في اعتبار هذه الحال بين الجنّ والبشر ؛ لأنّ أحدنا لو ادّعى الإعجاز بحمل جسم ثقيل لا يقدر على النّهوض بمثله أحد منّا متفرّدا ، لم يكن بدّ في الاعتبار عليه من أن يمنعه من الاستعانة بغيره ، ويزيل كلّ حيلة (٢) يمكن أن يستعان معها بالغير على وجه لا يظهر.
والجنّ في هذا الباب كالإنس ؛ لأنّا إذا كنّا قد بيّنا أنّه لا يتمكّن من هذه الأفعال إلّا بأن يكون كثيفا مدركا ، فالطريق الّذي به نعلم أنّ الاستعانة لم تقع بإنسيّ ، به نعلم أنّها لم تقع بجنّيّ.
فأمّا إبدال الميّت بحيّ وإحضار جسم من بعد ، فليس يجوز أن يتولّاه أيضا إلّا من له قدر تحتاج إلى بنية كثيفة تقع (٣) الرؤية عليها (٤).
__________________
(١) في الأصل : أنّها سينقله ، والصحيح ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : حمله ، وما أثبتناه من الذخيرة ، ويقتضيه السياق.
(٣) في الأصل : تقطع ، والظاهر ما أثبتناه مقاربا لما في الذخيرة.
(٤) قال المصنّف رحمهالله في الذخيرة / ٣٩١ : «قلنا : معلوم أنّ أجسام الملائكة والجنّ لطيفة