وأكثر ما يمكن أن يقال هاهنا : جوّزوا أن يكون الجسم الّذي ينقله لطيفا ، والحيّ الّذي يحضره (١) بدلا من الميتة صغير (٢) الجثّة كالذّرّة والبعوضة ؛ فليس بواجب أن يكون إنسانا أو حيوانا عظيم الجثّة؟! (٣)
وذلك ممّا لا يجدي أيضا في دفع كلامنا ؛ لأنّ أقلّ أحواله أن يكون مكافئا في القدر للذّرّة (٤) والبعوضة ، حتّى يتمكّن من حمل أخفّ الحيوان وزنا. ولو كان كذلك لوجب أن يساويهما في الجثّة والكثافة ، ويعود الأمر إلى أنّ
__________________
رقيقة متخلخلة ، ولهذا لا نراهم بعيوننا إلّا بعد أن يكيّفوا. ومن كان متخلخل البنية لا يجوز أن تحلّه قدر كثيرة ، لحاجة القدر في كثرتها إلى الصلابة وزيادة البنية. ولهذه العلّة لا يجوز أن تحلّ النملة من القدر ما يحلّ الفيل. فلا يجوز على هذا الأصل أن يتمكّن ملك ولا جنّي من حمل جبل ولا قلع مدينة إلّا بعد أن يكثّف الله تعالى بنيته ويعظم جثّته. وإذا حصل هذه الصفة رأته كلّ عين سليمة وميّزته.
فإذا ادّعى النبوّة من جعل معجزته إقلاع مدينة أو نقل جبل ، فوقع ما ادّعاه من غير أن يشاهد جسما كثيفا أعان عليه أو تولّاه يبطل التجويز لأن يكون من فعل جنّي وملك ، وخلص فعلا لله تعالى.
ولا فرق في اعتبار هذه الحال بين الجنّ والبشر ، لأنّ مدّعي الإعجاز بحمل جبل ثقيل لا ينهض بحمله أحد منّا منفردا لا بدّ من الاعتبار عليه من أن يمنعه من الاستعانة بغيره ، ويسدّ باب كلّ حيلة يتمّ معها الاستعانة بالغير ، فالجنّي في هذا الباب كالإنسيّ إذا كنّا قد بيّنا أنّه لا بدّ من أن يكون كثيفا مدركا.
فأمّا إبدال ميّت بحيّ ، أو إحضار جسم من بعيد ، فليس يجوز أن يتمكّن منه أيضا إلّا من له قدر تحتاج إلى بنية كثيفة يتناولها الرؤية».
(١) في الأصل : لا يحضره ، وهو من سهو الناسخ.
(٢) في الأصل : صغيرة ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩١ : «وأكثر ما يمكن أن يقال : جوّزوا أن يكون الحيّ الذي أبدله الجنّي بميّت من أصغر الحيوان جثّة كالذرّة والبعوضة».
(٤) في الأصل : الذرّة ، والمناسب ما أثبتناه.