الشّمس من مطلعها ، أو ورود بعض الثّمار في إبّانها ، على الوجه الّذي جرت به العادة أن يعلم بذلك صدقه. وهذا ممّا لا شبهة في بطلانه.
فأمّا الوجه في إيجابنا اختصاصه بالمدّعي للنّبوّة على وجه التّصديق لدعواه فهو أنّه متى لم يعلم هذا ، فلا بدّ من التجويز لوقوعه لغير وجه التّصديق ، ومع التّجويز لذلك لا يعلم صدق المدّعي. فإذا لا بدّ من العلم بأنّه لم يفعل إلّا للتّصديق ، وأنّه لو فعل لغيره لكان قبيحا خارجا عن الحكمة.
وإنّما زدنا في هذا الشّرط أن يخصّ الله تعالى به المدّعي للنّبوّة على وجه التّصديق ، ولم نشرط الاختصاص المطلق الّذي يشرطه غيرنا في هذا الموضع ؛ لأنّ المعجزات على ضربين :
منها : ما لا يمكن فيه النقل والحكاية.
ومنها : ما يمكن ذلك فيه.
فالضّرب الأوّل : إذا علم حدوثه مطابقا لدعوى المدّعي ، على وجه لم تجر به العادة وأنّه من فعل القديم تعالى تكاملت دلالته ؛ لأنّ حال حدوثه غير منفصلة من حال اختصاصه بالمدّعي ، ولأنّه ممّا لا يمكن أن يقال فيه : إنّه حدث غير مطابق لدعواه ولا مختصّ به ، وجعله هو بالنّقل والحكاية مختصّا به.
وأمّا الضّرب الثّاني : فلا يمكن أن يعلم (١) بوروده مطابقا للدّعوى أنّه مفعول لتصديقها ؛ وإن علم في الجملة أنّه من فعل الله تعالى وأنّه خارق للعادة ؛ لأنّ حكايته إذا أمكنت جاز أن يكون الله تعالى فعله تصديقا لغير من ظهر عليه.
وإن ورد مطابقا لدعواه بنقله وحكايته ، أو بنقل (٢) من يجري مجراه في ارتفاع الأمان من أن يفعل القبيح ، فلا بدّ في هذا الضّرب من اشتراط وقوع
__________________
(١) في الأصل : يعلمه ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) في الأصل : ينقل ، والمناسب ما أثبتناه.