الاختصاص ، من جهة القديم تعالى ؛ لنأمن وقوعه ، ممّن يجوز أن يفعل القبيح.
ولأنّه لو جاز أن يدلّ الاختصاص ـ الّذي لا نأمن أن يكون الله تعالى ما أراده ولا فعل المعجز من أجله ـ لجاز في الأصل أن يدلّ على النبوّة ما لا نثق بأنّه من فعله تعالى.
فإذا كان ما ليس من فعله لا يدلّ ـ من حيث جاز وقوعه ممّن يفعل القبيح ، ويصدّق الكذّاب ـ فكذلك ما لا يعلم وقوع الاختصاص به من جهته تعالى لا يدلّ لهذه العلّة.
ولا فرق في حصول الاختصاص الدّالّ على النّبوّة بين أن يحدث الله تعالى ما يمكن فيه الحكاية والنّقل على يد الرّسول وبحضرته ، وبين (١) أن يحدثه ويأمر بعض ملائكته بإنزاله إليه واختصاصه به ؛ لأنّ على الوجهين جميعا ، يرجع الاختصاص إلى القديم تعالى ، غير أنّه إذا أحدثه على يده كان المعجز نفس ذلك الفعل الحادث ، وإذا أمر بنقله إليه كان العلم الواقع موقع التّصديق هو أمره بنقله إليه.
ونحن نؤخّر استقصاء ما يحتمله هذا الكلام من الزّيادات والتّفريعات ، لنتكلّم عليه عند إيراد صاحب الكتاب له في مواضعه ، لئلّا يقع منّا تكرار.
وإذا صحّت هذه الجملة الّتي أوردناها بطل قول صاحب الكتاب : إنّ الّذي يجب أن يعلم من الاختصاص ظهور القرآن من جهته وجعله إيّاه دلالة على نبوّته ، وأنّ ما عدا ذلك ـ مثل أن لا يكون ظهر على يد غيره في السماء أو في الأرض ـ تصحّ الدّلالة من دونه ، وإن كان يجب حلّ الشّبهة فيه ، إذا أورد على سبيل الطّعن ، من غير أن يكون تقديمه واجبا في الدّلالة ؛ لأنّ القدر الّذي ذكره ليس بكاف في
__________________
(١) في الأصل : وهو ، وما أثبتناه مناسب للسياق.