الدّلالة من وجهين :
أحدهما : أنّ ظهوره ـ وإن علم من جهته ، ثمّ علم أيضا كونه ناقضا للعادة ومتعذّرا على البشر ـ فغير ممتنع عند المستدلّ أن يكون من فعل من ليس ببشر من ملك أو جنّيّ ، ويكون ذلك الفاعل هو الّذي خصّ من ظهر على يديه ؛ لأنّ العقول لا دلالة فيها على مبلغ ما تنتهي إليه منزلة من عدا البشر في الفصاحة والبلاغة. وهي غير موجبة كون أحوالهم مساوية لأحوالنا فيهما حتّى يقطع على أنّ ما يتعذّر علينا متعذّر عليهم. وهذا يبيّن أنّ الّذي اقتصر على ذكره من الاختصاص ليس بمقنع.
والوجه الثّاني : أنّه لو سلّم ـ مع الاختصاص الّذي ذكره ، ومع نقضه للعادة وتعذّره على البشر ـ كونه من فعل القديم تعالى ، وخروجه من مقدور جميع المحدثين ؛ لم تستقم أيضا الدّلالة دون أن يعلم أنّ القديم تعالى هو الّذي خصّه به ، وفعله على يده تصديقا له.
ومتى لم يعلم ذلك فلا بدّ من التّجويز ؛ لوقوع الاختصاص من جهة غيره ممّن (١) يجوز أن يفعل القبيح ؛ لأنّه ممّا يمكن فيه النّقل والحكاية ، ومع التّجويز لذلك لا تصحّ الدّلالة.
وهذا الوجه أخصّ بالطّعن على ما أورده هاهنا ، لأنّه ذكر ما يحتاج إلى علمه من اختصاص المعجز بالرّسول ، دون حال المعجز في نفسه ومن فعل أيّ فاعل هو ، وإن كان قد صرّح فيما يأتي بأنّ مع تجويز كونه من فعل غير الله تعالى ، قد يدلّ على النّبوّة.
فقد وضح بما ذكرناه أنّ ما ادّعي أنّه ليس بشرط في الدّلالة وأنّه إنّما يجب
__________________
(١) في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه.