دعوى لم تتشاغل بالدّلالة على صحّتها. وقدّمت أمام جوابك مقدّمة صحيحة ، لكنّك لم تتبيّن وجه موافقتها لما ادّعيته وعوّلت عليه ، وظننت أنّ المقدّمة إذا كانت صحيحة مسلّمة فقد صحّ ما رتّبته عليها ممّا لا تقتضي صحّتها صحّته! وهذا لا يخرج عن أن يكون غلطا أو مغالطة ؛ لأنّه لا شبهة فيما ذكرته من أن المعتبر في هذا الباب ـ بما يظهر عند ادّعاء النّبوّة ممّا يعلم ـ أنّه لو لا صحّة نبوّة المدّعي لم يظهر ، لكن من أين لك فيما اقتصرت عليه وادّعيته أنّه كاف في الدّلالة أنّه بهذه الصّفة؟
أو ليس قد بيّنا أنّ ظهور الأمر الّذي يمكن فيه النّقل والحكاية ـ وإن كان خارجا من العادة ـ غير كاف في الدّلالة على صدق من ظهر على يديه واختصّ به ، من حيث كان جائزا أن يكون هو الّذي خصّ نفسه بظهوره ونقله عمّن خصّه الله تعالى به وجعله علما على صدقه ، أو نقله إليه غيره ممّن يجري مجراه في جواز فعل القبيح منه؟! وإنّا متى لم نأمن هذه الحال فلا سبيل إلى التّصديق والقطع على صحّة الدّعوى (١).
وقد كان يجب أن يكون توفّرك كلّه مصروفا إلى أنّ الكفاية واقعة بالقدر الّذي اقتصرت عليه ، وأنّه لو لا صحّة نبوّة المدّعي لم يكن ، وإلّا فلا منفعة فيما قدّمته ؛ لأنّا نقول لك على سبيل الجملة :
كلّ أمر ظهر على مدّعي النّبوّة ـ على وجه لو لا صحّة نبوّته لما ظهر على ذلك الوجه ـ فهو دالّ على صحّة النّبوّة ، ويبقى على من ادّعى في فعل معيّن ـ على سبيل التفصيل ـ أنّه دالّ ، أن يبيّن موافقته لتلك الجملة.
وقد بيّنا أيضا الفرق بين دلالة إحياء الموتى وما جرى مجراه ممّا لا يمكن
__________________
(١) في الأصل : الدعوة ، والظاهر ما أثبتناه.