فيه النّقل ، وبين القرآن وأمثاله ؛ لأنّ النّقل بحيث لم يكن فيه حصل لنا الأمان من الوجه الّذي لأجل تجويز ما يأتي فيه النقل ، لم يكن دالّا ، فسقط بذلك قول من سوّى بين الأمرين ، وادّعى أنّ طريق دلالة الجميع لا يختلف.
فأمّا دلالة الفعل على الفاعل فغير مفتقرة إلى اعتبار جنس الفعل ونوعه والنّظر في أحواله ؛ لأنّ تعلّقه به واحتياجه في وقوعه إلى أحواله لا يختلفان ، وإن اختلفت أجناس الأفعال وأحوالها. فالواجب على من ظنّ في الموضع الّذي تقدّم ـ أنّه دالّ من غير حاجة إلى النّظر فيما أوجبنا النّظر فيه ، وحمل ذلك على دلالة الفعل على الفاعل ـ أن يبيّن فيما ادّعاه أنّه بهذه الصّفة ؛ فإنّا لم نقل في الفعل والفاعل ما ذكرناه إلّا بدلالة أوجبت علينا القول به ، ونحن نطلب بمثلها من ادّعى ، في بعض الأشياء ، مساواته لدلالة الفعل على فاعله؟ مع أنّا قد دللنا ـ فيما تقدّم وتأخّر ـ على أنّ الاقتصار على ما اقتصر عليه صاحب الكتاب غير كاف ، وأنّه مخلّ بما لا بدّ في دلالة التّصديق منه ، ولا غنى بها عنه.
فأمّا قوله : «لو كان المعتبر بأن يتقدّم العلم بحال ذلك الأمر الظّاهر ، لوجب أن لا يدلّ ظهور الشّعر والخطب على علم من اختصّ بهما ؛ لتجويزه أن يكون ذلك حادثا من قبل ، وأنّ المختصّ به أخذه عن غيره».
فقد بيّنا فيما تقدّم من هذا الكتاب كيفيّة القول في دلالة الشّعر وما جرى مجراه من الكلام على علم فاعله ، وما يقطع به على إضافته إلى من ظهر منه وما لا يقطع به ، وفصلنا بينه وبين ظهور القرآن ، واستوفيناه غاية الاستيفاء.
على أنّا نقول له : كلّ شعر أو كلام ليس بشعر ظهر من بعضنا ، وجوّزنا أن يكون نقله وحكاه ، لفقد ما يقتضي أن يكون المبتدئ به والسابق إليه ، من الدّلائل والأمارات الّتي قد تقدّم ذكرنا لها فيما سلف من الكتاب ؛ فإنّه لا يدلّ على أنّ من ظهر عليه عالم بكيفيّة صيغته وترتيبه. وأكثر ما يدلّ عليه من حاله أنّه عالم