بحكايته ؛ لأنّ الحكاية هي المعلوم حدوثها من جهته ، وقد ضربنا لذلك مثالا لا شبهة فيه ، وهو :
أن يحضر أحدنا ثوبا حسن الصّنعة لم يشاهد قبله مثله ، ويدّعي أنّه صانعه ، ولا يرجع إلى إضافته له إليه إلّا إلى دعواه.
فإذا كان من الواجب عند كلّ أحد الامتناع من تصديق هذا المدّعي وإضافة الثّوب إلى صنعته والاستدلال به على علمه ، دون أن يعلم أنّه هو المبتدئ بصنعته ، وأنّه لم ينقله عن صنعته. ولا يجري ذلك في باب الدّلالة مجرى أن يصنع بحضرتنا ثوبا ، فكذلك القول في الكلام ؛ لأنّ النّقل فيه يمكن كما يمكن في الثّوب وأشباهه.
ثمّ يقال له : خبّرنا عنك لو أحضرك محضر قصيدة من الشّعر ، وادّعى أنّه مؤلّفها ومبتدعها ـ وهو ممّن يجوز أن يكذب في خبره ، ولم ترجع في علمه بالشّعر إلّا إلى ظهور القصيدة من جهته ، دون أن يقع منه التّصرّف في أمثالها والقول في أوزان ومعان تقترح عليه ـ ما كنت تقطع على علمه بالشّعر وصحّة إضافة القصيدة إليه؟
فإن قال : «نعم ، كنت أقطع بذلك» ، قال قولا مرغوبا عنه ، ولزمه أن يقطع فيمن أحضره الثّوب وسائر ما يمكن فيه النقل بمثل ذلك! وقيل له : ومن أيّ وجه علمت صحّة قول هذا المدّعي ، وأنت لا تأمن أن يكون كاذبا جاهلا بقول الشّعر وتأليفه ، وإنّما نقل تلك القصيدة عن غيره؟ وفساد ارتكاب ذلك أظهر من أن يخفى ، فيحوج إلى الإطالة.
فإن قال : إذا لم يظهر منه إلّا القدر الّذي ذكرتموه ، ولم يجز أن أقطع على علمه بتأليف الشّعر ، ولا على أنّه صاحب القصيدة.
قيل له : أفليس إذا علمت ببعض ما قدّمناه من الدّلائل والأمارات ، أنّ تلك