القصيدة لم يسبق إليها تقطع على علمه ؛ فلا بدّ من : بلى؟!
فيقال له : فقد صرت في باب إضافة الشّعر إلى من ظهر عليه بغير حاله (١) ، وهل هو ممّا سبق إليه أو ابتدأ من جهة من ظهر معه؟ وبطل تقديرك أنّ ذلك غير محتاج إليه في باب الشّعر. كما أنّه ـ على ما ادّعيته ـ غير محتاج إليه في دلالة القرآن ؛ لأنّك قد صرّحت بأنّ القرآن دالّ مع تجويز النّاظر أنّه منقول غير مبتدأ ، وليس يمكنك أن تقول مثل هذا في دلالة الشّعر وما أشبهه من الكلام.
على أنّا قد بيّنا أنّ تجويز النّاظر في القرآن أن يكون مفعولا ـ قبل ادّعاء من أظهر (٢) الرّسالة ، وأنّه انتقل إليه بغير الله تعالى ، أو غير من أمره الله تعالى بنقله إليه ـ يمنع من صحّة الاستدلال به ، فبطل ما ذكره على كلّ حال.
فأمّا تسويته بين نقل الجبال وإحياء الموتى ، واتّفاق التّصديق من جميع الخلق على وجه غير معتاد في باب الدّلالة وإن كان وجهها مختلفا ، وقوله : «فكذلك ظهور القرآن يدلّ ، وإن لم يعلم المفكّر أنّه ابتدأه (٣) في حال ، لأنّ حاله وهو مبتدأ كحاله لو كان غير مبتدأ في باب الدّلالة ؛ فلا شكّ في أنّ دلالة ما ذكره من نقل الجبال وإحياء الموتى والاتّفاق على التّصديق غير مختلفة ، وإن كانت هذه الأمور في أنفسها مختلفة. وإنّما لم تختلف لأنّ مرجع كلّ ذلك إلى فعل الله تعالى ، يقطع على أنّه لم يفعله إلّا للتّصديق والإبانة ؛ لأنّ إحياء الموتى وإن كان فعله تعالى ، وواقعا موقع التّصديق بغير واسطة ؛ فكذلك نقل الجبال واجتماع العالم على التّصديق ؛ لأنّ نقل الجبال يدلّ ـ إذا لم يكن من فعله تعالى على يد من ظهر عليه ـ على اختصاص الفاعل بقدر لم تجر العادة بمثلها ، واقعة من فعله تعالى على سبيل التّصديق.
__________________
(١) كذا في الأصل.
(٢) في الأصل : ظهر ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : ابتدأ ، والمناسب ما أثبتناه وفقا للمغني.