وقد تقدّم الكلام في أنّ النّاظر في القرآن إذا جوّز انتقاله إلى من ظهر على يده ممّن يجوز منه القبيح ، لم يمكنه الاستدلال به. فبان الفرق بينه وبين دلالة الفعل على الفاعل.
فأمّا النّاظر في إحياء الموتى ـ مع تجويزه على الحياة الانتقال والكمون والظّهور ـ فليس تخلو حاله من وجهين :
إمّا أن يكون ـ مع تجويزه على الحياة الانتقال ـ يجوّز أن تنتقل بغير الله تعالى.
أو يكون غير مجوّز لذلك ، بل معتقدا أنّ انتقالها لا يكون إلّا به تعالى.
فإن كان على الوجه الأوّل : لم يصحّ استدلاله على النّبوّة ؛ لما ذكرناه من التّجويز الّذي لا نأمن معه أن يكون الانتقال وقع ممّن يجوز أن يفعل القبيح.
وإن كان النّاظر على الوجه الثّاني : صحّ استدلاله مع تجويز الانتقال ؛ لأنّ الانتقال في هذا الوجه يجري مجرى الحدوث والاختراع في أنّه خارق للعادة ، ومن فعل من نأمن منه فعل القبيح ، فكيف يتوهّم أنّ النّاظر في إحياء الموتى ـ دلالته على صدق من ظهر عليه ـ يمكنه الاستدلال به ، مع تجويزه في الحياة أن تكون منتقلة بغير الله تعالى؟ وأن يكون ناقلها بعض من يجوز عليه تصديق الكذّاب؟
وهل هذا إلّا كقول من يقول : إنّ النّاظر في إحياء الموتى يمكنه الاستدلال به على النّبوّة ، مع تجويزه أن تكون الحياة داخلة تحت مقدور البشر ، ومن جملة ما يمكنهم أن يفعلوه؟
فإذا كان ظهور الحياة ـ مع هذا التّجويز ـ لا يدلّ ، من حيث كنّا لا نأمن إذا كانت الحياة مقدورة لهم من أن يقع من مصدّق للكذّاب! وكذلك حالها عند من جوّز عليها الانتقال بغير من نثق بحكمته. وهذا أوضح من أن يخفى على متأمّل.
فأمّا قوله : «إنّ المعتبر هو أن يعلم المستدلّ في القرآن وأمثاله أنّه ظاهر عند