الدّعوى ، على وجه يفارق الأمور المعتادة. ومتى عرف هذه المعرفة صحّ استدلاله ، وإن جوّز فيه ما ذكرناه».
فقد مضى الكلام في أنّ القدر الّذي ذكره غير كاف في الدّلالة ، وأنّه لا بدّ أن يأمن النّاظر من أن يكون ذلك الأمن الّذي ليس بمعتاد ظهر بفاعل يجوز عليه الاستفساد وفعل القبيح ؛ لأنّ حكم الأمر المفارق للعادة ـ في هذا الوجه ـ حكم الدّاخل تحتها ، من حيث جاز فيهما جميعا أن يقعا من غير حكيم ، وعلى وجه لا يوجب التّصديق.
ثمّ يقال له : من أيّ وجه لم يدلّ سائر الأفعال المعتادة منّا إذا ظهرت على بعض من يدّعي النّبوّة؟
فلا بدّ من أن يفزع إلى ما ذكرناه من أنّها إذا كانت بهذه الصّفة لم نأمن من أن تقع من مصدّق أو كذّاب.
فحينئذ يقال له : فإذا كانت هذه العلّة موجودة من بعض ما يقع على خلاف العادة من الأفعال ، فلا بدّ من القول بأنّه غير دالّ ، وإلّا فالمناقضة ظاهرة.
ثمّ يقال له : أليس قد يصحّ أن يستدلّ المستدلّ ، فيعلم أنّ القديم تعالى قادر على أجناس وأفعال كثيرة لا يقدر البشر عليها ، وإن كان شاكّا في حكمته ويجوّز أن يفعل القبيح؟ فلا بدّ من الاعتراف بذلك ؛ لأنّ أحد العلمين غير متعلّق بالآخر.
فيقال له : خبّرنا عمّن نظر في بعض ما يظهر على مدّعي النّبوّة ، فعرف أنّه من فعل الله تعالى ، وممّا لا يتمكّن البشر منه ، وأنّه خارق للعادة : أيصحّ استدلاله به على النّبوّة ، مع تجويزه على الله تعالى فعل القبيح ، وتصديق الكذّاب؟
فإذا قال : لا.
قيل له : فقد بطل قولك : إنّ المعتبر في صحّة الاستدلال هو بأن يظهر عند الدّعوة أمر مفارق للعادة ، وأنّ ما عدا ذلك من أحواله لا حاجة إلى العلم به.