وبعد ، فإنّ الّذي منع في هذا الموضع من صحّة الاستدلال على النّبوّة ، قائم في الموضع الّذي اختلفنا فيه ، إذا جوّز أن يكون ظهور ذلك الأمر وانتقاله ممّن يجوز أن يفعل القبيح.
فإن قال : إذا سوّيتم في الكلام الذي ذكرتموه بين المعتاد وغير المعتاد في أنّه غير دالّ ، فلم شرطتم في دلالة المعجز أن يكون خارقا للعادة؟ وأيّ تأثير لكونه خارقا لها؟
قيل له : إنّا لم نجعل المعتاد مساويا بغير المعتاد في كلّ موضع ، وإلّا أبطلنا الحاجة في دلالة المعجز إلى كونه خارقا للعادة كما ظننت ، وإنّما سوّينا بينهما في امتناع الاستدلال على النّبوّة بهما في الموضع الّذي يجوز في كلّ واحد منهما أن يكون واقعا ممّن يجوز أن يفعل القبيح ، ويصدّق الكذّاب.
فأمّا تأثير كون الفعل خارقا للعادة في غير هذا الموضع ، فواضح معلوم ؛ لأنّ ما وقع من أفعال الله تعالى على مجرى العادة إنّما لم يدلّ على النّبوّة من حيث جوّز النّاظر أن يكون واقعا لغير التّصديق ، وعلى مجرى العادة. وإذا كان غير معتاد زال هذا التّجويز.
فإن قال : إنّما قلت : المعتبر بأن يعلم النّاظر في الأمر الظّاهر أنّه خارق للعادة ، ويكتفي به في الاستدلال ؛ لأنّه يأمن أن يكون ظهوره و. انتقاله ممّن يجوز أن يستفسد ويفعل القبيح ، من حيث يعلم أنّ القديم تعالى لا يمكّن من ذلك ، ويمنع منه من يرومه ؛ فيصحّ استدلاله.
قيل له : فقد صرت إذا إلى قولنا ، وتركت ما أنكرناه عليك ، لأنّا لم نخالفك في الوجه الّذي منه أمن أن يقع من فاعل للقبيح ، فيذكر فيه طريقا دون طريق! وإنّما أنكرنا إطلاقك أنّ العلم بما أوجبناه غير محتاج إليه ولا مفتقر في صحّة الاستدلال إلى تقدّمه ، وأنّه ليس يحتاج إلى أكثر من العلم بأنّ الفعل على خلاف العادة. وإذا