هذا العلم لا يضرّ باستدلاله؟
وكذلك من لم يخطر بباله : هل القديم تعالى غير محتاج ، وهل يجوز أن يفعل القبيح أم لا يمكنه الاستدلال على النّبوّة ، بما يعلم ظهوره من جهته على مدّعي النّبوّة ، إذا علمه خارقا للعادة؟
وليس يمكن أحدا أن يفسد دلالة ما ذكرناه على النّبوّة بشيء إلّا وهو بعينه يفسد الدّلالة بما خولفنا فيه.
فأمّا قوله : «إنّه لا فرق بين أن يتغيّر العادة في حركة الفلك بفعل القديم تعالى ، أو بفعل الملك في باب الدّلالة على النّبوّة ، بعد أن نعلم أنّ الملائكة لا يعصون ولا يستفسدون» ، فصحيح غير منكر ، ولا فرق بين أن يعلم من حالهم أنّهم لا يعصون ولا يستفسدون بما أوجبه ـ من المنع الّذي لا يجب عندنا ـ أو بغيره ؛ لأنّ الفرض وقوع الأمان من ذلك.
وهذا القول في إنزال الملك بالقرآن إلى الرّسول ، متى ثبت الأمان من الحال الّتي ذكرناها ، يكون دالّا على النبوّة ؛ وتكون عادة الملائكة ـ إذا علمنا أنّهم لا يعصون ـ كالعادة الثّانية من جهة القديم تعالى ، في أنّ خرقها يكون دالّا.
والمثل الّذي ضربه ـ فيمن ادّعى منّا على غيره أنّه رسوله ، وأنّه لا فرق بين أن يصدّقه هو نفسه ، أو يأمر بعض عبيده بتصديقه ـ صحيح أيضا ، وإنّما يكون هذا المثل مشبها لما أنكرناه لو صدّقه من عبيده وأولاده من لم يعلم أنّه أمره بتصديقه ، ولا أمنّا منه أن يعصيه ويفعل خلاف مراده.
وكلام صاحب الكتاب الآن يخالف ما تقدّم ؛ لأنّه لم يشترط فيما أطلقه أوّلا ـ من أنّه لا معتبر إلّا بوقوع الفعل على خلاف العادة ـ أن يأمن أن يكون واقعا أو منقولا ، بمستفسد عاص لله تعالى ، ولو شرط ذلك لأراح نفسه وأراحنا من التّعب.