قال صاحب الكتاب (١) :
«فإن قال : كيف يصحّ في القرآن ـ وقد تقدّم من الله تعالى حدوثه (٢) قبل بعثة الرّسول بزمان ـ أن يدلّ على النبوّة؟ أتقولون : إنّه الدالّ على النبوّة ، أو إنزال الملك به ، أو تمكّن (٣) الرّسول عليهالسلام من إظهاره؟
فإن قلتم : إنّ الّذي يدلّ عليه هو نفس القرآن ، فتقدّم حدوثه منه تعالى يمنع من ذلك.
وإن قلتم : إنّه يدلّ من الوجهين الآخرين (٤) ، أدّى إلى أن يكون الدالّ على نبوّته فعل الملك ، أو فعل الرّسول ، على وجه لا يتعلّق بفعله تعالى!
ثمّ قال : قيل له : إنّ ظهور القرآن ـ عند ادّعاء (٥) النّبوّة ـ من قبله هو الدالّ ، وهذا كما نقول (٦) : إن الفعل هو الدالّ على حال الفاعل ، لكنّه إنّما يدلّ لتعلّقه به.
فكذلك القرآن (لا بدّ من أن يكون) (٧) له تعلّق به وبدعواه ، ولا يكون كذلك إلّا بظهوره (٨) من قبله ، أو من قبل الملك ، أو كأن (٩) يحدث على حدّ الابتداء ؛ وإن كان ذلك لا يعلم من حاله إلّا بعد الاستدلال به على نبوّته ، فيعلم من بعد أنّه تعالى (١٠) أحدثه ، ولم يكن من قبل حادثا ، أو أنّه عليه وآله السّلام أحدثه بأن مكّن من علوم خارجة عن (العادة الّتي كانت للعرب) (١١).
وعلى كلّ حال ، فتقدّم وجوده لا يمنع من صحّة كونه دالّا ، كما أنّ تقدّم الإقدار على نقل الجبال وقلب المدن لا يمنع عند ظهور ذلك من قبل المدّعي للنّبوّة ،
__________________
(١) المغني ١٦ / ١٧٧.
(٢) من المغني.
(٣) في المغني : تمكين.
(٤) ليست في المغني.
(٥) في المغني : ادعائه.
(٦) في المغني : تقول.
(٧) في المغني : لأنّه قرآن يكون.
(٨) في المغني : بظهور.
(٩) في المغني : بأن.
(١٠) من المغني.
(١١) في المغني : عن عادة العرب.