من فاعل يجوز عليه الاستفساد.
وهذه المسألة في القرآن ـ على الحقيقة ـ ساقطة عنّا وغير متوجّهة على مذهبنا ؛ لأنّ المعجز عندنا ـ القائم مقام التّصديق ـ هو : الصّرف عن معارضة القرآن ، وذلك حادث ومتجدّد عقيب الدّعوى.
ولا فرق في صحّة دلالة ما ذكرناه بين تقدّم حدوث القرآن وبين تأخّره ، إلّا أنّ الأمر في القرآن وإن كان على ما قلناه ، فقد كان يجوز عندنا أن يكون خارقا لعادتنا بفصاحته ، ويكون تعذّر معارضته على الفصحاء من حيث لم تجر عادتهم بمثله إلّا للصّرف في الحال ، ويصحّ ذلك على وجهين :
إمّا بأن يكون أزيد ممّا هو عليه من الفصاحة ، حتّى يظهر التّفاوت بينه وبين كلّ كلام فصيح ، أو بأن تكون منازل الفصحاء فيما يفعلونه من الفصاحة دون ما هي عليه الآن.
وإذا كان هذا التقدير عندنا صحيحا لزمنا أن نبيّن كيفيّة القول في دلالته ، إذا كانت حاله هذه ، وتقدّم حدوثه ، وصار ما يمرّ من خصومنا على مذهبهم الثّابت في القرآن من الجواب ، يلزمنا على سبيل التقدير (١).
لقائل أن يقول في هذا الوجه : قد علمتم أنّ المعجز الدالّ على صدق النّبيّ المدّعي للرّسالة لا بدّ أن يكون من فعل الله تعالى ـ لأنّه هو الّذي يجب أن يصدّقه في دعواه عليه ، ويفعل ما يجري مجرى قوله له : صدقت في ادّعائك رسالتي ـ فليس يجوز أن يكون إنزال الملك بالقرآن ـ إذا كان قد تقدّم حدوثه ـ هو العلم المعجز الواقع موقع التّصديق. ولهذا الوجه لا يجوز أن يكون إظهار الرسول صلىاللهعليهوآله له إلينا هو المعجز.
__________________
(١) كذا في الأصل.