ولا فرق بين أن يكون ناقلا له وحاكيا إذا فرضنا تقدّم حدوثه ، وبين أن يكون هو المبتدئ بإحداثه في أنّ الأمرين إذا عادا (١) فيه إلى فعله ، لم يصحّ أن يكون هو المعجز على الحقيقة.
ولا يجوز أن يكون القرآن نفسه هو العلم الدالّ على النّبوّة إذا كان متقدّم الحدوث ؛ لأنّه إنّما يدلّ عليها إذا وقع موقع التّصديق ، والتّصديق لا يصحّ إلّا بعد تقدّم الدّعوى الّتي يتعلّق بها ؛ ولهذا يجعلون وقوع الدّعوى وطلب التّصديق وحصول الإجابة على الوجه المطلوب يجري مجرى المواضعة في الحال. ويقوم مجموع هذه الأمور ـ في باب الدّلالة ـ مقام تقدّم المواضعة ، فكيف يصحّ مع ذلك أن يكون الأمر الواقع موضع التّصديق متقدّما للدعوى؟! وهو إنّما يكون تصديقا ، إذا وقع عقيب الدّعوى ، وإجابة للطّلب.
أو لستم أيضا تفصلون بين ما يقع من انتقاض العادات بعد زوال التكليف ، وبين ما يقع في حال التكليف ، في باب الدّلالة على النبوّة ، بأن تقولوا : إنّ الواقع في دار التكليف إنّما دلّ ؛ لوقوعه مطابقا لدعوى مدّع للرّسالة ، وليس ذلك فيما يقع عند قيام السّاعة ، وانقطاع التكليف ؛ فليس يصحّ على حال من الأحوال أن يتقدّم حدوث القرآن ، ويكون هو بعينه القائم مقام التّصديق.
وهكذا القول في تقدّم الإقدار على نقل الجبال وسائر الأفعال الخارقة للعادات ؛ لأنّه لا يجوز أن يتقدّم ذلك دعوى النّبوّة ، ويكون متعلّقا بها تعلّق التّصديق ، ولا الفعل الواقع بتلك القدر يصحّ أن يكون بهذه الصّفة ، لجميع ما تقدّم.
والجواب عن ذلك : أنّ القرآن إذا علمنا حدوثه في السّماء قبل نبوّة الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وأنّ الملك كان ينزله عليه ، فالمعجز في الحقيقة ـ الواقع موقع
__________________
(١) في الأصل : عاد ، والمناسب ما أثبتناه.