التّصديق ـ هو أمر الله تعالى للملك بإنزاله إليه ؛ لأنّ العادة لم تجر به ، وهو من فعله تعالى.
وليس يجوز [أن يكون] المعجز في هذا الوجه القرآن نفسه ، ولا إنزال الملك به ، لما ذكرناه في السّؤال.
ولو كان القرآن ممّا تقدّم حدوثه ، وكان الله تعالى هو المخاطب به الرّسول عليه وآله السّلام والمتولّي لإنزاله عليه ، كان إنزاله على هذا الوجه هو المعجز ، وفارقت حاله حال إنزال الملك به.
وكذلك لو كان القرآن من فعل الرّسول صلىاللهعليهوآله بأن مكّنه الله تعالى من علوم لم تجر بها العادة ، كان المعجز اختصاصه بتلك العلوم الّتي لم تجر بها العادة.
فليس يصحّ على ما ذكرناه ، أن يكون حدوث القرآن هو المعجز والدّالّ على التّصديق ، إلّا بأن نعلمه حادثا من الله تعالى في حال ادّعاء النبوّة ؛ فكان المعجز ـ على ما يحصل من كلامنا ـ هو ما يفعله الله عقيب الدّعوى ، على وجه لم تجر به العادة ، ليصحّ أن يتعلّق بها التّصديق.
وليس لأحد أن يقول : من أين تعلمون إذا كان الملك لا ينزل القرآن إلّا بأمر الله تعالى أنّ أمره بإنزاله إنّما كان حادثا عند ادّعاء الرّسالة؟ ولعلّه أمره متقدّما بذلك ، وإن فعله الملك بعد الدّعوى.
فإن تقدّم الأمر فيما هذه سبيله لا يمتنع ، وذلك أنّ أمره تعالى للملك بإنزاله القرآن ، إذا كان القصد به تصديق الرّسول صلىاللهعليهوآله ، دون غيره من الوجوه الّتي يجوز أن يفعل من أجلها ـ لأنّه لا يجوز أن يخصّه بأمر لم تجر به العادة إلّا على سبيل التّصديق له ، وعلمنا أنّ تصديقه لا يصحّ إلّا بعد أن تتقدّم منه الدّعوى ليقع التّصديق مطابقا لها ، وليكون متعلّقا بها ـ فقد وجب القطع على أنّ أمره تعالى للملك بإنزاله لا بدّ أن يكون متجدّدا عند تجدّد الدّعوى ، وواقعا عقيبها ، ليتمّ الغرض المقصود.