والحلّاج (١) ، ومن أشبههم من ذوي المخاريق والنّواميس (٢) خلق كثير ، واعتقدوا نبوّتهم وصدقهم ، وكذلك القول في إبليس ومن هلك بغوايته ، وضلّ بوساوسه؟! فلا بدّ من : نعم.
فيقال له : أو ليس القديم تعالى قادرا على منع جميع هؤلاء من تلك الأفعال المضلّة والحيلولة بينهم وبينها؟! فلا بدّ من الاعتراف بذلك ، لأنّه تعالى قادر لا يعجزه شيء.
فيقال له : فألّا منعهم؟! وهل يلزم إذا لم يمنعهم جواز أن يفعل مثل تلك الأفعال القبيحة؟ ثمّ هل يكون مستفسدا للمكلّفين بتمكينهم منها؟
فإن قال : إنّما لم يجب عليه تعالى أن يمنعهم ، ولا كان مستفسدا لهم من حيث كان قد مكّنهم من أن لا يفسدوا بشيء من ذلك ، ولا يغترّوا به بما نصبه من الأدلّة وأظهر من الحجج ؛ فالضّالّ منهم إنّما دهي من قبل نفسه ؛ لأنّه لو أنعم النظر في تلك الأفعال لعلم أنّها مخاريق وأباطيل ، فإنّ الله تعالى لم يتولّها ولا أراد فعلها ، وإنّه إنّما يريد من المكلّف أن يصدّق من علم ظهور ما له صفة المعجز في التّخصيص عليه.
قيل له : فهذا جوابك بعينه عمّا ألزمته ، فتأمّله ؛ لأنّ الله تعالى قد مكّن المكلّف بالأدلّة الواضحة من أن يفرّق بين من ظهر على يده ما لا يعلم أنّ الله تعالى هو الّذي خصّه به ، وبين من يعلم ذلك من حاله ، وأوجب عليه تكذيب الأوّل وتصديق
__________________
(١) هو الحسين بن المنصور ، قيل في حقّه المتناقضات ، إذ عدّه البعض من كبار المتعبّدين والزهّاد ، وذهب آخرون إلى أنّه من الملاحدة الزنادقة. ولد بفارس وتجوّل في بلدان عديدة ، وظهر أمره سنة ٢٩٩ ه واتّبعه جماعة من الناس ، واختلفت الأقوال وتضاربت الآراء حوله وحول معتقداته. أعدم ببغداد وأحرقت جثّته سنة ٣٠٩ ه.
(٢) المراد بالنواميس هنا ما يتنمّس به من الاحتيال والكذب.