وقد شرحنا هذا الوجه فيما تقدّم من كتابنا (١) ، وأوضحناه ، وذكرنا من جملة ما في القرآن من الأخبار الدّالّة على اختصاص الرّسول صلىاللهعليهوآله به قطعة وافرة ، وهذا طريق واضح لا يمكن دفعه.
والوجه الآخر : أن يعلم من جهة بعض الأنبياء من قد علمنا نبوّته بمعجز لا يمكن فيه النقل والحكاية ؛ لأنّ الكتاب الّذي ظهر لم يتقدّم حدوثه ، فنأمن أن يكون المختصّ به غير من ظهر عليه.
وليس لأحد أن يقول : إنّكم إذا علمتم من جهة النبيّ الذي ذكرتموه أنّ ذلك لم يتقدّم حدوثه فقد علمتم نبوّة من ظهر عليه ، وصدقه بقوله ، جرى (٢) أن يقول : هذا نبيّ صادق فاتّبعوه ؛ وذلك أنّ القدر الّذي علمناه بقول النّبيّ هو أنّ الكتاب لم يتقدّم حدوثه ، وهذا غير كاف في الدّلالة على صدق من ظهر عليه. بل لا بدّ من النّظر في أحوال الكتاب ؛ فإذا علمنا استيفاءه لشرائط المعجز ، علمنا صدقه.
وليس له أن يقول : أيّ فائدة في النّظر في الكتاب الّذي يظهره ، وأنتم إذا علمتم من جهة النّبيّ الآخر أنّه لم يتقدّم ، أمكن أن تعلموا نبوّة هذا المدّعي وصدقه من جهته ، ويصير النّظر في الكتاب لا معنى له! لأنّه يمكن أن تكون الفائدة فيه من حيث علم الله تعالى أنّ المكلّفين بتصديق (٣) من ظهر عليه الكتاب من نظروا فيه وعلموا به صدقه ، كانوا أقرب إلى اتّباعه وقبول ما دعاهم إليه منهم لو علموا نبوّته من جهة نبيّ آخر ، أو بمعجز غير الكتاب على الحدّ الذي يقوله في إظهار معجز دون معجز ، وعلى وجه دون وجه ، في وقت دون وقت ، وكما نقول (في العبادة ينقض) (٤) الأفعال دون بعض.
__________________
(١) راجع الصفحة ١٤٢ لغاية ١٥٣.
(٢) في الأصل : وجرى.
(٣) في الأصل : لتصديق.
(٤) كذا في الأصل ، ولعلّه : في العادة : بعض.