الدّواعي إلى نقلها ، ويحكم فيما جرى هذا المجرى بأنّه لم يكن ، متى لم ينقل ويعلم فإمّا ما لا يجب ظهوره واستفاضته ويجوز وقوعه إن وقع مستسرّا به ، فليس يجب متى فقدنا نقله أو العلم به أن نحكم بنفيه. ولهذه العلّة ما علمنا أحوال الملوك الظّاهرة والحوادث في أيّامهم المستفيضة ، ولم نعلم جميع أسرارهم ، وما كتموه من أخبارهم ، وألقوه إلى الواحد والاثنين من ثقاتهم. والقول فيما ذكرناه أوضح من أن يحتاج إلى شرط.
وليس لأحد أن يقول : هبكم لا توجبون التّذاكر بذلك من جهة الاستطراف والاستغراب ، ألا وجب أن يذكره بعضهم لبعض ؛ ليعرف كلّ واحد منهم هل حال غيره في الامتناع والتعذّر كحاله أم لا؟
وذلك أنّ التحدّث به لو وجب من هذه الجهة ، لم يكن إلّا على الوجه الذي بيّناه من الخفاء والكتمان ؛ لأنّ ما دعا من المسألة عنه لا يدعو إلى إظهارها ، بل دواعي سترها قائمة من حيث ذكرنا ، فلا منفعة للسّائل فيما ذكره إذا التزمناه ، وكان ممّا لو وقع لم يظهر ، ولم يجب أن يعلم. على أنّ ما أوجبه من هذه الجهة لا يجب أيضا ؛ لأنّ سؤال بعضهم بعضا إنّما يحسن متى استفيد به ما ليس بمعلوم. فأمّا إذا كان لا يفيد إلّا ما يعلمه السّائل فلا طائل في تكلّفه.
فكلّ واحد من العرب يعلم ـ من حال غيره من المنحرفين عن دعوة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، المظاهرين له بالعداوة ـ ما يقتضي (١) أنّ المعارضة متى أمكنته فعلها وبادر إليها ، وأنّه لم يمسك عنها ودواعيه متوفّرة إليها إلّا وحاله في التّعذّر مساوية لحاله ، فأيّ فائدة في سؤاله وتعرّف ما عنده؟!
__________________
(١) في الأصل : وما يقتضي.