الجواب :
يقال له : أمّا ما قدّمته من وجوب معرفة العرب ـ بما هم عليه ـ من تعذّر المعارضة عليهم ، على سبيل الجملة ، فصحيح ، وكذلك ما أتبعته به من علمهم بخروج ذلك عن عهدهم وعادتهم.
فأمّا ما أوجبته من بعد من التحدث بذلك والتذاكر به ثمّ إظهاره وإعلانه ، فغير واجب ، بل الواجب خلافه ؛ لأنّا نعلم أنّ القوم قد بلغوا الغاية في عداوة النّبيّ صلىاللهعليهوآله وحسده ، وتطلّب ما شكّك فيه ونفّر عنه ، والعدول عن كلّ ما آنس به وقرّب منه. وهم يعلمون أنّ التذاكر بما يجدون أنفسهم عليه من تعذّر معارضته أقوى الأسباب في تصديقه ووجوب اتّباعه ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآله إنّما ادّعى الإبانة منهم والمزيّة عليهم بهذا القدر الّذي يوجب أن يعترفوا به ويتذاكروه ، فكيف يصحّ أن يقع منهم ما ظننته ، وحالهم هذه؟!
فكأنّك أيّها الملوم تقول : يجب أن تقع نهاية التّصديق ممّن دواعيه متوافرة ، وحيلته كلّها مصروفة إلى نهاية التّكذيب!
على أنّه لو وقع من بعضهم ممّن لا يعرف عاقبة قوله ، ولا يتثبّت في أفعاله ، أو ممّن يطلب (١) السّلامة لقوي في نفسه انكتام خبره [ومتى صدر] ذكر لهذا المعنى ، وحرص فيه لم يجب أن يكون ظاهرا شائعا ، بل لا عاقل من القوم يذكر مثل هذا عن نفسه ، إلّا لمن هو عنده أوّلا على نهاية الثّقة والأمانة ، ثمّ لا يذكره إلّا على آكد وجوه الاستسرار والخفاء ، فمن أين يجب ظهوره والعلم به وهو إذا وقع كانت هذه حاله؟!
وإنّما يجب العلم بالأمور الّتي تقع في الأصل ظاهرة وشائعة ، ثمّ تتوفّر
__________________
(١) في الأصل : يغلب ، والظاهر ما أثبتناه.