أحسنها! ونحن عالمون في القرآن ضرورة خلاف ذلك.
وبعد ، فلو كان ما تضمّنه السّؤال صحيحا لكنّا لا نأمن أن يكون بين شعر امرئ القيس ، وشعر من قاربه وكان في طبقته ، مثل النّابغة والأعشى ومن جرى مجراهما ، من التعاقب في الفصاحة أكثر ممّا بين شعره وشعر أحد المحدثين ، وتكون العلّة في خفاء الفرق علينا ـ مع ظهور الفرق بين شعره وأشعار المحدثين ـ ما ذكره السّائل وجعله علّة في ارتفاع العلم بالقرآن وغيره.
وليس يؤمن ما ذكرناه إلّا الطّريقة التي سلكناها من أنّ الأمر لو كان على هذا لوجب أن يظهر الفرق بين شعر امرئ القيس والنّابغة ، إذا فرضنا التّفاوت بينهما في الفصاحة ، لكلّ من ظهر له [ما] بينه وبين شعر المحدث.
وليس لأحد أن يقول : قد كان الشكّ في ذلك جائزا ، لو علمنا بخلافه من مذاهب أهل البصيرة بالشّعر ونقده ، الّذين لا يجوز عليهم أن يخفى ما يخفى علينا في هذا الباب ؛ لأنّهم مطبقون على تقارب هذين الرّجلين في الشّعر ، وأنّه لا تفاوت بين فصاحتهما.
وذلك أنّه يلزمه على هذا أن نكون ـ لو لا ما علمناه من حال هؤلاء ومذاهبهم في هذين الشّاعرين ـ مجوّزين بخلافه ، وشاكّين في أنّ بين شعر امرئ القيس والنّابغة من الفصاحة أكثر ممّا بين شعره وشعر المتنبّي ، مع ظهور الفرق بين شعره وشعر المتنبّي لنا ، واشتباه الأمر في شعره وشعر النّابغة علينا ، وهذا حدّ لا يبلغه متأمّل لأمره.
على أنّ هاهنا وجها يزيل كلّ شبهة في هذا الباب ، وهو : أنّ خفاء الفرق بين القرآن وأفصح كلام العرب علينا ، لو كان سببه ما ادّعي من وفور حظّ ما يضمّه إليه