من الفصاحة والبلاغة ، وأنّ ذلك هو النّقيض للاشتباه (١) ـ وإن كان التفاوت في الفصاحة حاصلا ـ لوجب أن لا تظهر لنا فصاحة بعض القرآن على بعض ؛ لأنّ بعضه أقرب إلى بعض في الفصاحة من كلّ كلام يضمّ إليه.
وما لا تظهر فصاحته من جملة ظهورها في غيره أوفر حظّا في الفصاحة على كلّ حال من جميع الكلام ، حتّى أنّه ينتهي عند خصومنا فرط فصاحته إلى خرق العادة. فصارت العلّة الّتي ذكروها في تعذّر الفرق بين مواضع من القرآن وفصيح كلام العرب ، تقتضي على آكد الوجوه ارتفاع الفرق بين بعضه وبعض.
وإذا علمنا ضرورة ظهور بعض فصاحته على بعض بطل ما ظنّه خصومنا ، وصحّ مذهبنا.
وهذا الوجه يسقط أيضا قول من جعل العلّة في خفاء الفرق استبداد القرآن بطريقة في الفصاحة مخالفة لسائر الطّرق.
* * *
وإذا انتهينا إلى هذا الموضع من الكتاب فقد كان الواجب قطعه عليه ، لاستيفائنا الكلام في جميع ما شرطناه وأجرينا بكتابنا إليه ، لكنّا آثرنا الآن أن نضمّ إليه فصولا في الدّلالة على وقوع التحدّي بالقرآن ، وأنّه لم يعارض ، وأنّ معارضته لم تقع لتعذّرها ، وأنّ تعذّرها كان على وجه يخالف العادة ، ليكون ما أسّسناه في صدر الكتاب من هذه الأمور ـ تعويلا على ارتفاع الخلاف بيننا وبين من خالف في الصّرفة ـ مدلولا عليه ومبرهنا على صحّته ، وليكون كتابنا هذا حجّة على مخالفي الملّة ، كما أنّه حجّة على الموافق فيها ، وحتّى لا يفتقر النّاظر فيه والمعوّل عليه في
__________________
(١) كذا في الأصل.