وليس ينكر وقوع التجاهل ودفع الضّرورات من الواحد والاثنين ، ولا اعتبار بمثل ذلك فيما يعمّ العلم به وتزول الشّكوك فيه.
وهب أنّ قوما شكّوا في بعض ما ذكرناه ـ وإن كان لا طريق للشّكّ عليه ـ ونحن نعلم أنّ أحدا لا يشكّ في أنّه عليهالسلام كان ينتظر نزول الوحي بالقرآن ، ويدّعي أنّ جبرئيل عليهالسلام يتولّى إنزاله عليه ومخاطبته به ، وأنّه كان يجعل ذلك مزيّة له وإبانة.
وهذا غاية التّحدّي ونهاية ما يبعث على المساواة والمعارضة ؛ لأنّه عليه وآله السّلام إذا ادّعى النبوّة وألزم البشر الانقياد له ومفارقة ما هم عليه من دين وعادة ورئاسة ، ولم يظهر منه شيء يمكن أن يدّعي به الإبانة إلّا انتظاره للوحي بالقرآن. والدّواعي إذا متوافرة إلى مساواته في الأمر الّذي متى سوّي فيه لم يكن له مزيّة ولا في يده حجّة ولا شبهة ، فكان يجب أن يظهر كلّ واحد منهم ـ من العرب ـ مثل ما أظهره ويدّعي مثل ما ادّعاه ، ويفعل كلاما بعد كلام يظهر أنّ جبرئيل عليهالسلام ـ أو غيره من الملائكة ـ أنزله إليه ، ويتعمّد لانتظاره ووقت نزوله في الأوقات ؛ فإنّ مثل القرآن ـ إذا لم يكن معجزا ولا ممنوعا عن معارضته ـ ممكن لهم ، وادّعاء نزول الملائكة به أدخل في باب التّمكّن ؛ لأنّه ممكن لكلّ قادر على الكلام ، وإن كان الأوّل يختصّ بالتمكّن منه الفصحاء.
وممّا يبيّن أنّ الحال الّتي وصفناها تقوم مقام التحدّي بالقول والتقريع باللّفظ ـ بل ربّما زادت عليهما ـ أنّ أحدنا لو نال رئاسة في الدّنيا جليلة ، ووصل إلى منزلة رفيعة ، وأظهر أنّ له فضلا على غيره وتقدّما على سواه ، وأنّ ما ناله يستحقّه بما هو عليه ، وكان له مع ذلك أعداء ومنافسون يحسدونه ، ويثقل عليهم تقدّمه ووصوله إلى ما وصل إليه ، ويحبّون أن ينتقض أمره ، ويفسد حاله ، ولم يظهر لهم من أحواله ممّا كان كالذّريعة إلى تلك الرّتبة وبلوغ تلك المنزلة ، إلّا أمر من الأمور