ولو أنّه ادّعى النّبوّة والمزيّة ولم يظهر شيئا يدّعي به الإبانة والتخصيص أكثر من قوله : إنّ التّوراة كلام الله تعالى وأنّه يوحى بها إليّ ، لكان يجب على من حاجّه وقصد إلى إبطال أمره أن يساويه فيما احتجّ به ، ويظهر كلاما يدّعي فيه ما ادّعاه موسى عليهالسلام في التوراة ، ليبيّن للنّاس أنّه كغيره وأنّه لا مزيّة له.
وليس هكذا نبيّنا صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّا نعلم ظهور شيء على يده ، وادّعى به المزيّة والإبانة ، واحتجّ به في جميع الأحوال ، فجرى مجرى القرآن.
وليس لأحد أن يقول : فلعلّ تعويله في دلالة نبوّته إنّما كان على معجزاته الّتي ليست بقرآن ، كانشقاق القمر ، والميضأة (١) ، وحنين الجذع ، وما شاكل ذلك ، فلا يثبت لكم معنى التحدّي في القرآن من حيث ظهر عليه ، إذا كان قد أغنى عنه في باب الحجّة ؛ وذلك لأنّا قد بيّنا أنّ المعلوم من قصيده صلىاللهعليهوآله في إضافته إلى ربّه تعالى ، وانتظار نزول الملك به طريقة الاحتجاج وادّعاء المزيّة ، فحاله إذن كحال غيره من المعجزات ؛ إن ثبت أنّها ظهرت وادّعى بها النبوّة على حدّ ظهور القرآن.
فكيف وليس ذلك بثابت ؛ لأنّه لا شيء من معجزاته ـ سوى القرآن ـ يعلم ظهوره واحتجاجه وفزعه إليه على حدّ العلم بالقرآن؟!
وإنّما يرجع في إثبات هذه المعجزات إلى ضروب من الاستدلال والطّرق التي يعترضها كثير الشّبهات ، ولا يحتاج إلى شيء منها في القرآن.
__________________
(١) الميضأة : الموضع الذي يتوضّأ فيه ، أو المطهرة التي يتوضّأ منها. ذكره المؤلف في فصل (في الدلالة على صحّة ما عدا القرآن من معجزاته صلوات الله عليه وآله) من كتابه المغني ص ٤٠٤ ، فقال : «ومنها خبر الميضأة وأنّه وضع يده فيها ، وكان الماء يفور بين أصابعه ، حتّى شرب الخلق الكثير من تلك الميضأة ورووا». وهذا الخبر مرويّ باختلاف في الألفاظ ، راجع تفصيل ذلك في : بحار الأنوار ١٧ / ٢٨٦ ؛ دلائل النبوّة ٦ / ١٣٢ ؛ مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٩٨.