على أنّه لا شيء من معجزاته صلىاللهعليهوآله إلّا وقد تقدّم ادّعاءه للنّبوّة ومطالبته الخلق (١) بالانقياد له والدّخول تحت طاعته (وجوده وظهوره) (٢) سوى القرآن ؛ فكيف يصحّ نفي جعله عليهالسلام دليل نبوّته؟
* * *
وممّا يعتمد عليه في ثبوت التّحدّي بالقرآن :
أنّا قد علمنا ادّعاءه عليه وآله السّلام النبوّة ، وإلزامه النّاس طاعته والدّخول في ملّته. ولا بدّ لمن دعا إلى مثل هذه الحال ـ بل إلى ما هو دونها ـ من إظهار أمر ما يقوم مقام الحجّة والدّلالة ؛ لأنّ أحدا من الفضلاء لا يجوز أن يقدم على مثل هذه الدعوى من غير تعلّق بحجّة أو شبهة. حتّى أنّ جميع المتنبّين وضروب الممخرقين (٣) قد فزعوا ، فيما ادّعوه ودعوا إليه ، إلى تعلّق أشياء ادّعوا أنّها حجج وبراهين ؛ فلو ساغ أن يقدم على ما ذكرناه عاقل مع بعده ، لم يجز ـ لمن ادّعى عليه الرئاسة ، وطالبه بالطّاعة والانقياد ، وألزمه مفارقة دينه وعادته ـ ألّا يطالبه بحجّة على قوله وبرهان على وجوب اتّباعه.
فكيف يصحّ أن يدّعي نبيّنا صلىاللهعليهوآله ـ من بين جماعة العرب ـ النّبوّة والرئاسة ، ويطالبهم بالانسلاخ من جميع ما ألفوه وعرفوه من العبادات ، والعادات والأفعال ، من غير أن يظهر شيئا يجعله كالحجّة على صحّة أمره وصدق قوله ، ولا يكون فيهم من يطالبه بذلك ، مع علمنا بتوفّر دواعيهم وشدّة حرصهم على تكذيبه وتوهين أمره ، وأنّهم قد تحمّلوا في طلب ذلك المشاقّ ، وبذلوا فيه الأنفس
__________________
(١) في الأصل : للحقّ ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) كذا في الأصل : وفيه اضطراب بيّن.
(٣) أي من يأتي بالخوارق من المشعبذين.