للتّوبيخ والتّعجيز في صحّته ، من (١) جملته. وقد كان القوم يسمعونها حالا بعد حال ، وفيها من التّحريك والإزعاج ما هو معلوم. وهذه الآيات نزلت بمكّة ، والعلم بنزولها هناك مستفاد بالنّقل الّذي به علم نزولها في الجملة ، فليس لأحد أن يشكّك في تقدّم نزولها ، ويقول : لعلّها ممّا نزل في آخر الأمر!
على أنّه لو ثبت تأخير نزولها لكان ما قصده من إثبات التحدّي بالقرآن حاصلا على كلّ حال ، ولا فرق بين تقدّمه وتأخّره في الدّلالة إذا علمنا أنّ المعارضة لو كانت ممكنة لوجب وقوعها.
وسنبيّن فيما يأتي بمشيئة الله تعالى أنّ اختلاف الأحوال ، وزيادة عدد الأنصار وقلّتهم ، وقوّة الأمر وضعفه ، لا تأثير له في ذلك ، وأنّ المعارضة لو أمكنت لوقعت على تصرّف الحالات.
وربّما طعن طاعنون في هذه الطّريقة بأن يقولوا :
من أين علمتم أنّ آيات التحدّي من جملة القرآن الّذي سمعه العرب وتلي عليهم ، ولعلّها مضافة إلى الكتاب بعد تلك الأزمان؟
وكيف يصحّ أن يجمعوا بين جملة القرآن ـ وما جرى مجراه من الأقوال الظّاهرة ـ وبين تفصيل آياته وكلمه في وقوع العلم وزوال الرّيب؟ وأنتم تعلمون أنّ العلم بجملته مخالف العلم بتفصيله ؛ لأنّ العلم الأوّل يشترك فيه جميع العقلاء المخالطين لأهل الأخبار من غير اختصاص ، ولا يصحّ دخول الشّبه عليه منهم. والثّاني يدّعيه قوم من جملتهم ، ولو شكّكوا فيه لشكّ أكثرهم ، فيجب أن يصحّحوا أنّ حكم آيات التّحدّي حكم جملة القرآن ، ليصحّ ما ادّعيتموه.
__________________
(١) في الأصل : ومن ، والمناسب ما أثبتناه.