والجواب عن هذا الطّعن :
أنّا لا نشكّ في الفرق بين العلم بجملة القرآن وتفصيله ، من الوجوه التي ذكرت (١) ، لأنّ العلم بجملته لا يشكّ في عمومه وزوال الشّبه عنه ، والعلم بتفصيله يجوز دخول الشّبه فيه.
ولسنا نرتضي طريقة من سوّى بين الأمرين وادّعى أنّ العلم بالتفصيل كالعلم بالجملة ، وأنّ من دفع العلم بالحرف والكلمة والآية ، في أنّه دافع لما يعلمه ضرورة ، كالدافع بجملة الكتاب.
غير أنّه ليس إذا لم يقع العلم بالشيء ضرورة ـ إن جعل العلم بجملة القرآن من باب الضّرورة ، أو على وجه لا مجال للشكّ والشّبه عليه ـ وجب أن ينفي ويمنع من أن يكون إلى العلم به طريق.
والعلم بآيات التحدّي وما جرى مجراها ، من تفضيل القرآن ، وإن لم يكن على حدّ العلم بجملته ؛ فإلى العلم بها طريق واضح ، وهو نقل جماعة المسلمين وتواترهم ؛ لأنّهم بأجمعهم ينقلون أنّ هذه الآيات ممّا كان يتلى على عهد الرّسول عليه وآله السّلام في جملة الكتاب. وقد علمنا أنّ شروط التّواتر حاصلة فيهم ، بل في كلّ فرقة من فرقهم ؛ فيجب أن يعلم بخبرهم صحّة نقل هذه الآيات ، وبطلان قول من قدح في إثباتها.
على أنّ آيات التحدّي ليس يخلو حالها من وجهين : إمّا أن تكون من جملة ما كان يقرأه الرّسول صلىاللهعليهوآله ويحتجّ به على القوم ، أو لا تكون كذلك وتكون مضافة إلى الكتاب بعد أن لم تكن فيه.
فإن كانت على الوجه الأوّل : فقد ثبت ما أوردناه من التّحدّي على آكد الوجوه.
__________________
(١) في الأصل : الذي ذكر ، والمناسب ما أثبتناه.