القرآن ـ من توفّر الدّواعي ، وشدّة الحاجة ، وقرب العهد ـ حاصل في المعارضة ، وهي تزيد عليه من حيث لو وقعت لكانت هي الحجّة في الحقيقة ، وكان القرآن قائما مقام الشّبهة ونقل الحجّة. وما به تزول الشّبهة أولى في الدّين ، والدّواعي إليه أقوى. وإذا صحّت هذه الجملة ولم نجد نقلا في المعارضة ، وجب القطع على انتفائها ، وكذب مدّعيها.
فإن قيل : دلّوا أوّلا على تكامل الشّروط الّتي ذكرتموها في المعارضة لو كانت ثابتة ، وأنّ ظهورها في الأصل واجب ، والدّواعي متوفّرة إلى جميع ما عددتموه ، ثمّ دلّوا على أنّ ما هذه حاله لا بدّ من نقله ، وأنّه إذا لم ينقل علم انتفاؤه.
قلنا : أمّا الذي يدلّ على أنّ المعارضة لو وقعت لكانت ظاهرة فاشية ، فهو أنّ الّذي يدعو إلى فعلها يدعو إلى إشاعتها وإعلانها ؛ لأنّ ما دعا إلى تعاطيها هو طلب التّخلّص ممّا طلب الرّسول عليه وآله السّلام القوم به من مفارقة عاداتهم في الأديان والعبادات والرئاسات ، وأن يدفعوا بها نبوّته ، ويدحضوا حجّته ، ويصرفوا الوجوه عن اتّباعه ونصرته.
وهذه الأمور بعينها داعية إلى إظهار المعارضة وإعلانها ؛ لأنّ الغرض بها والاحتجاج بفعلها لا يتمّان إلّا مع الإظهار دون الإخفاء والكتمان ، أو لا يرى الشّاكّ فيما ذكرناه أنّ غرض القوم في تكلّف المعارضة لم يكن ليعلم الله تعالى أنّهم قد عارضوا ، بل ليعلم ذلك المحتجّ عليهم والنّاس جميعا ، فيسقطوا عنهم ما ظنّوه بهم من العجز (١) والقصور ، ويشهدوا بوضوح حجّتهم ، وعلوّ كلمتهم ، وتزول الشّبهة في صدق من ادّعى النّبوّة فيهم. وهذا كلّه لا يصحّ إلّا مع إظهار الاحتجاج وإعلانه ، وتكراره وترداده.
__________________
(١) في الأصل : المعجز ، والمناسب ما أثبتناه.