وأمّا العلم بأنّ الحاجة إلى نقلها ماسّة والدّواعي متوفّرة فهو أظهر من أن يحتاج فيه إلى تكلّف دلالة ؛ لأنّا نعلم علما لا يخالجنا فيه شكّ ولا يعترضنا ريب أنّ مخالفي الملّة من اليهود والنّصارى ، والمجوس والبراهمة ، وأصناف الملحدين ، من الحرص على التشكيك في الإسلام وتطلّب ما يوهنه ويوقع الشّبهة فيه ، على ما لا زيادة عليه ولا غاية وراءه ، وأنّهم يتدبّرون ويبذلون الأموال لمن أوقع فيه شبهة وإن ضعفت ، وعضهه بعضيهة (١) وإن بعدت ، حتّى أخرجتهم هذه الأحوال إلى حفظ السّبّ والهجاء ، وإن كان لا حجّة في شيء منها ولا شبهة ، وإلى نقل كلام مسيلمة الرّكيك الدالّ على ضعف عقله ، ونقصان تمييزه ، وما جرى مجراه ، فكيف بهم لو ظفروا بمعارضة مشبهة ، وكلام مماثل؟!
وما يشكّ عندنا عاقل عارف بأحوال النّاس في أنّ الدّواعي إلى نقل ما ذكرناه تبلغ من القوّة إلى حدّ الإلجاء الذي لا مصرف عنه ولا معدل.
وأمّا الكلام في قرب العهد فواضح جدّا ؛ لأنّ حكم المعارضة في القرب حكم القرآن وسائر ما علمنا وقوعه وظهوره في تلك الأزمان ، فكيف يؤثّر بعد العهد في بعض هذه الأمور دون بعض ، وحكم الكلّ فيه متّفق غير مختلف؟
فأمّا الدّلالة على أنّ ما اختصّ بهذه الشّرائط فنقله واجب ، وهي أنّ الدّواعي إلى النقل إذا كانت على ما وصفناه من القوّة ، ولا مانع عن النقل يعقل فيوجب وقوعه ؛ لأنّ تجويز ارتفاعه ينقض ما علمناه من حصول الدّواعي وقوّتها. ويجري النقل في هذا الباب مجرى سائر الأفعال الّتي متى علمنا قوّة الدّواعي إليها وارتفاع الموانع عنها حكمنا بوجوب وقوعها ، ومتى جوّزنا ارتفاعها نقض هذا التّجويز ما فرضناه من قوّة الدّواعي ، وارتفاع الموانع.
__________________
(١) عضهه بعضيهة : قذفه بالباطل ، وباختلاق الكذب.