وتكاثرهم هو المانع من نقل المعارضة ، والموجب لانكتامها واندفانها؟!
قلنا : هذا يسقط من وجوه :
أحدها : أنّ الخوف لا يقتضي انقطاع النقل جملة والعدول عنه على كلّ وجه. وإنّما يمنع ـ إن منع ـ من التّظاهر به ، بهذا جرت العادات. ألا ترى أنّ الخوف من بني أميّة في نقل فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه ، ومناقبه وسوابقه ، لمّا أن كان معلوما ومنتهيا إلى أبعد الغايات لم يمنع من نقل الفضائل ، ولا اقتضى انقطاع نقلها ، وإنّما منع من التّظاهر بالنّقل في بعض الأحوال.
ونحن نعلم أنّه لم تكن حال مخالفي الإسلام في زمن من الأزمان مشاكلة لحال (١) الشّيعة في أزمان بني أميّة وما أشبهها فيما يوجب التّقيّة ويقتضي الخمول والخوف ، ويمنع من التصرّف على الاختيار.
وإذا كان غاية الخوف ونهاية ما يوجب التقيّة لم يمنعا من النّقل ، فأولى أن لا يمنع من ذلك ما يبلغ هذه الغاية ولم يقاربها.
وثانيها : أنّ أهل الإسلام إنّما كثروا وصاروا بحيث يخاف منهم بعد الهجرة. ومدّة مقامهم بمكّة كانوا هم الخائفين المغمورين ، والتقيّة فيهم لا منهم ؛ فقد كان يجب أن تظهر المعارضة في هذه المدّة وتنتشر في الآفاق ويسير بها الرّكبان ، ولا تكون قوّة الإسلام وأهله من بعد مؤثّرة في ظهورها ، ونقلها وحصول العلم بها. وعلمنا بانتفائها في هذه الأحوال كاف في الدّلالة على النبوّة ؛ لأنّه يقتضي تعذّرها على وجه لا يخالف العادة.
وثالثها : أنّا نعلم أنّ قوّة الإسلام إنّما ابتدأت بالمدينة وبعد الهجرة ، وقد كانت في تلك الحال ممالك أهل الشّرك وبلاد الكفر غالبة على الأرض ، مطبّقة
__________________
(١) في الأصل : كحال ، والمناسب ما أثبتناه.