للشّرق والغرب ، ولم تزل تتناقص وتضيق بقدر سعة الإسلام وانتشاره وغلبته على مكان بعد مكان. وقبض الرّسول صلىاللهعليهوآله وأكثر البلاد يغلب عليها الكفّار ، وكانت مملكة الفرس كحالها لم تنقرض ، وكذلك ممالك الرّوم ومن جرى مجراهم. وإلى هذه الغاية لم يخل العالم من بلاد كفر واسعة ، وممالك كثيرة لعلّها تقارب بلاد الإسلام ، إن (١) لم تزد عليها. فقد كان يجب أن تظهر المعارضة في هذه البلاد ويتّصل نقلها ، وكان يجب ـ إذا تقدّم ظهورها ، ومنع من نقلها والتّظاهر بذكرها غلبة الإسلام على بعض البلاد ـ أن تظهر وتنقل في غير ذلك البلد من بلاد الكفر ، وبحيث لا خوف ولا تقيّة.
ورابعها : أنّ الخوف والتقيّة لو منعا من نقل المعارضة على ما ادّعي ، لمنعا من نقل الافتراء والهجاء وما تعوطي من المعارضات التي لا تأثير لها ؛ لأنّ قوّة الإسلام وأهله ـ إن كانت مانعة من بعض ذلك وموجبة لانقطاع نقله ـ فهي [غير] مانعة من نقل جميعه.
وخامسها : أنّ تجويز خفاء المعارضة وانقطاع نقلها ، للوجه الذي ذكر ، يقتضي أن يجوز كون جماعة من الأنبياء في زمانه عليهالسلام ظهر على كلّ واحد منهم من الآثار والمعجزات ما يزيد على ما ظهر عليه ، بل على ما ظهر على سائر الأنبياء المتقدّمين من الّذين اتّصلت بنا أخبارهم [و] كلّهم دعا إلى نسخ شرعه وإبطال أمره ، وجميعهم حاربه ونازله ، وجرى بينهم وبينه من الوقائع والغارات أكثر ممّا جرى بينه وبين قريش ، لكنّ خبرهم وتفصيل أحوالهم ممّا انكتم عنّا ولم يتّصل بنا ، لمثل ما ذكر من الخوف وغلبة الإسلام.
وكان لا ينكر أيضا أن يكون كلّ واحد من قريش قد عارضه بمعارضة أفصح
__________________
(١) في الأصل : وإن ، ولعلّ الواو من سهو الناسخ.