إمّا أن يتفرّق جمع عدوّهم ، وتزول الشّبه في أمره ، فتحصل الرّاحة من أجمل الطّرق وأقربها. أو أن يقيم قوم معه على العناد والخلاف ، فيستعمل حينئذ الحرب في موضعها ، وبعد الإعذار وإقامة الحجّة.
(ولو أنّهم لمّا لم يبتدءوا بالمعارضة ، إقامة الحجّة بالحرب حسم المادّة) (١) وبلوغ الغاية ، لكان ذلك أولى وأشبه باختيار العقلاء ، ممّا يدّعيه مخالفونا من إعراضهم عن المعارضة جملة مع الإمكان.
وبعد ، فقد كان يجب إن كان انصرافهم عن المعارضة إلى الحرب للوجه الّذي ذكر ـ لمّا جرّبوا الحرب مرّة بعد أخرى وعلموا أنّها لم تفض إلى مرادهم ، وأنّ آمالهم فيها لم تنجح ، بل كانت عليهم لا لهم ـ أن يرجعوا إلى المعارضة ؛ لأنّ الشّبهة الصّارفة عنها قد زالت.
على أنّ الحرب إنّما صاروا إليها بعد الهجرة ، وبعد مضيّ ثلاث عشرة سنة ؛ فإن كان (٢) عليه عدولهم عن المعارضة إلى ما قالوه فألّا فعلوها في السّنين المتقدّمة للحرب! فكيف عدلوا عنها في ذلك الزّمان وهم لم يهمّوا بعد بالحرب ولا خرجوا إليها؟
فيقول قائل : إنّهم آثروها لما ادّعي من قطع المادّة.
وكيف أمسكوا في تلك الأحوال عن المعارضة والحرب معا ، وعدلوا إلى (٣) السّفه والقذف والهجاء والسّبّ وما لا تدخل على عاقل شبهة في أنّه لا يؤثّر على المعارضة مع إمكانها؟
وبعد ، فكيف ارتكب القوم في باب القرآن خاصّة ما لم تجر عادتهم بارتكابه ،
__________________
(١) كذا في الأصل ، وفي العبارة اضطراب بيّن.
(٢) في الأصل : كانت ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : على ، وما أثبتناه هو المناسب.