لأنّهم بذلك تحدّوا وإليه دعوا.
على أنّ من تأمّل الأمر حقّ تأمّله وجده بخلاف ما ظنّوه ؛ لأنّ وجوه الشّعراء وأعيان الفصحاء كانوا من غير جملة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومن غير رهطه ، وإن اختلف الحال بهم :
فمنهم (١) من مات على كفره وانحرافه ، كالأعشى وهو في الطّبقة الأولى ، وغيره ممّن لم نذكره.
ومنهم من دخل في الإسلام بعد أن كان على نهاية العداوة والخلاف على النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، والسّعي عليه ، والقدح في أمره ، ككعب بن زهير ـ وهو في الطبقة الثانية ـ ومن جرى مجراه ؛ فإنّ كعبا أسلم بعد أن كان أشدّ النّاس عداوة للرّسول عليه وآله السّلام ، حتّى أباح عليهالسلام دمه وتوعّده.
ومنهم من كان إسلامه واتّباعه بعد زمان ، وبعد أن كان الخلاف منه معلوما وإن لم ينته إلى حال كعب ، ثمّ إنّه لمّا دخل في الإسلام لم يحظ فيه من المنزلة والاختصاص والمشاركة بما يظنّ معه المواطأة ، كلبيد بن ربيعة ، والنّابغة الجعديّ ، وهما في الطّبقة الثالثة ، ومن ماثلهما.
ولو ذكرنا أعيان شعراء قريش وغير قريش من الأوس والخزرج وغيرهم من المجوّدين في ذلك العصر وفصحاءهم وخطباءهم ، ومن مات منهم على شركه وكفره ، ومن أظهر الإسلام بعد العداوة الشّديدة والخلاف القويّ لاطلنا ، ومن أراد معرفة ذلك أخذه من مواضعه.
وبعد ، فإنّ المتقدّمين في صنعة من الصّنائع أو علم من العلوم ، لا يجوز أن يخفى حالهم على أهل ذلك الشّأن ؛ فقد كان يجب إذا كان الفضل في الفصاحة ـ
__________________
(١) في الأصل : فيهم ، والسياق يقتضي ما أثبتناه.