ويقولوا له : وما في تعذّر معارضتك ممّا يدلّ على نبوّتك ، وأنت إنّما أمكنك الإتيان بما تعذّر علينا لفرط فصاحتك لا لمكان نبوّتك ، وما تقدّمك في هذا الباب إلّا كتقدّم فلان وفلان في كذا وكذا من لا حجّة في تقدّمه ، ولا نبوّة له ، ولا عادة انخرقت على يده! وفي إمساكهم عن هذا ـ مع أنّ مثله لا يذهب عليهم ـ دليل على أنّ الأمر بخلافه.
ليس لهم أن يقولوا : إنّما لم يقرّوا له بالفصاحة والتّقدم فيها للأنفة الّتي كانت طريقتهم وعادتهم ؛ لأنّهم إنّما يأنفون من الاعتراف بمثل ذلك في الموضع الّذي يقتضي الاعتراف به نقصا يلحقهم (١) ، وضررا يدخل عليهم ، وشهادة لخصمهم بما يعظّم أمره وينوّه باسمه.
وليس هذه حال الاعتراف بما ذكرناه في القرآن ؛ لأنّهم إذا اعترفوا بذلك ووافقوا عليه ، كان فيه تكذيب للمحتجّ عليهم ، وصرف الوجوه عنه ، وإزالة الشّبهة في أمره ، والخلاص ممّا ألزمهم الدّخول فيه.
فأيّ نقص وضرر يدخل بهذا الاعتراف؟ وهل النّقص (٢) الشّديد والضّرر الحقيقيّ إلّا في الإمساك عن المواقفة (٣) والصّبر على المذلّة؟
ولو كان يلحقهم بالاعتراف بعض العار لكان ما يثمره هذا الاعتراف من وجوه المنافع ويصرفه من (٤) ضروب المضارّ وصنوف الصّغار (٥) ، يوفي عليه ويلجئ إلى المبادرة إلى فعله.
__________________
(١) في الأصل : بغصا ويلحقهم ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : وعلى البغض ، والظاهر ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : الموافقة ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٤) في الأصل : عن ، والمناسب ما أثبتناه.
(٥) الصّغار : الضّيم والذّل والهوان ، سمّي بذلك لأنّه يصغّر إلى الإنسان نفسه.