وفي بعض هذه المدّة فسحة للرّويّة والتعمّل ؛ فقد كان يجب أن يتعمّلوا فيها أو فيما بعدها من الأزمان ، مع تماديها وتطاولها ؛ وكلّ هذا يبيّن بطلان التعلّق بالتعمّل.
فأمّا تعلّقهم بأنّه عليه وآله السّلام منعهم عن المعارضة بالحروب واتّصالها ، فضعيف جدّا.
والجواب عنه : إنّ الحرب لا تمنع من الكلام ، والمعارضة ليست بأكثر من كلام على وجه مخصوص ، وقد كانوا يتمثّلون في حروبهم بالشّعر ويرتجلونه في الحال ولا تمنعهم الحرب من ذلك ، فكيف يصحّ أن تكون مانعة عن المعارضة وهي غير مانعة ممّا يجري مجراها؟!
وأيضا : فإنّ الحرب لم تكن دائمة متّصلة ، بل قد كانوا يغبّونها (١) أحيانا ، ويعاودونها أحيانا ؛ فقد كان يجب ـ إن كانت الحرب هي المانعة من المعارضة ـ أن يأتوا في أوقات الإغباب وعند وضع الحرب أوزارها.
وأيضا : فإنّه عليه وآله السّلام لم يكن محاربا لجميع أعدائه من العرب في حال واحدة ، وإنّما كان يقوم بالحرب منهم قوم ويقعد آخرون ، فكيف لم يعارضه من لم يكن محاربا إذا كانت الحرب شغلت المحاربين؟
وأيضا : فإنّ المدّة التي أقام فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكّة لم يكن في شيء منها محاربا ، وإنّما كانت الحروب بعد الهجرة ، فألّا عارضوا في تلك الأحوال ، إن كانت المعارضة ممكنة؟
وأيضا : فلو كانت الحرب منعت من المعارضة مع إمكانها ، لوجب أن يواقف القوم النّبيّ صلىاللهعليهوآله على ذلك ، ويقولوا (٢) له : كيف نعارضك وقد منعتنا بحربك عن معارضتك؟ ولا حجّة لك في امتناع معارضتك علينا إذا كنت قد شغلتنا عنها
__________________
(١) يقال : غبّت عليه : أي إذا أتت يوما وتركت يوما.
(٢) في الأصل : ويقول ، والمناسب ما أثبتناه.