معه التّصرّف في سائر أوزانه ، وكذلك القول في منثور الكلام.
ولو لا أنّ الأمر على هذا لم ننكر أن يكون في الشّعراء من يختصّ بالقول في البسيط دون غيره من الأعاريض ، من حيث قصر علمه عليه ، ومنع سائر الشّعراء منه ، فلو اجتهد أن يقول بيتا من غير البسيط لتعذّر عليه ، ولو اجتهد جميع الشّعراء في أن يقولوا بيتا منه لعجزوا عنه. وأن يكون فيهم من يختصّ بالقول في الطّويل على هذا الوجه ، وهذا ممّا يعلم فساده. وهو دلالة على أنّ النّظوم لا اختصاص في بعضها ، وأنّها ممّا يجب الاشتراك فيه (١).
فإن قال : ما أنكرتم أن يكون التّصرّف في الأوزان يحتاج إلى زيادة العلوم ، وأن لا يكون العلم ببعضها علما بسائرها على ما ذكرتم ، وأنّ المساواة الّتي وصفتموها بين الشّعراء في ضروب الأوزان ، إنّما وجبت من حيث أجرى الله العادة بأن يفعل لكلّ من علم وزنا من أوزان الشّعر ، العلم بسائر الأوزان ؛ فليس يمتنع ـ على هذا ـ أن يفعل الله تعالى كلاما له نظم لم يخصّ أحدا من الخلق بالعلم به ، ويجعله علما لبعض أنبيائه ؛ فلا يتمكّن أحد من البشر من مساواته فيه ، من حيث فقدوا العلم بطريقة نظمه ، وإن تمكّنوا من مساواة سائر ما يقع السّبق إليه من الشّعر والخطب.
وكيف ننكر ذلك وقد رأينا كثيرا من الشّعراء المتصرّفين في ضروب الشّعر لا يهتدون لنظم الخطب ، وكثيرا من الخطباء لا يقدرون على الشّعر ؛ فما الّذي يمنع
__________________
(١) قال الشريف المرتضى رحمهالله في الذخيرة / ٣٨١ ـ ٣٨٢ : «وليس يجوز أن يتعذّر نظم مخصوص بمجرى العادة على من يتمكّن من نظوم غيره ، ولا يحتاج ذلك إلى زيادة علوم ، كما قلناه في الفصاحة. ولهذا كان كلّ من يقدر من الشعراء على أن يقول في الوزن الذي هو الطويل قدر على البسيط وغيره ، ولو لم يكن إلّا على الاحتذاء ، وإن خلا كلامه من فصاحة. وهذا الكلام قد فرغنا [منه] واستوفيناه في كتابنا في جهة إعجاز القرآن».