الشّاعرين يشتركان في النّظم الواحد ، وكلام أحدهما فصيح شريف ، والآخر ركيك سخيف ، وكذلك الخطيبين.
وإنّما كان هذا ؛ لأنّه لا يصحّ المزيّة في النّظم حتّى يكون لأحد الشّاعرين والخطيبين فضل في المعنى ـ الّذي به كان الشّعر شعرا ، والخطابة خطابة ـ على الآخر ، كما يصحّ ذلك في الفصاحة ، وجزالة الألفاظ ، وكثرة المعاني والفوائد.
وإذا صحّ هذا ، فلم يبق إلّا أن يقال : إنّ السّبق إلى النّظم هو المعتبر. وذلك غير صحيح ؛ لأنّه يوجب أن يكون السّابق إلى قول الشّعر في ابتداء الظّهور قد أتى بمعجز ، بل يجب أن يكون السّبق إلى كلّ عروض من أعاريضه ، ووزن من أوزانه يقتضي ذلك. وهذا يؤدّي إلى أنّ أكثر الخلق أصحاب معجزات (١)!
فإن قال : كيف يكون السّبق إلى الشّعر من المعجزات ، وهو ممّا تقع فيه المساواة من المسبوق للسّابق ، حتّى لا يزيد أحدهما على الآخر فيه ، والمعجز ما تعذّر مثله على غير من اختصّ به؟ وما أنكرتم أن يكون نظم القرآن معجزا من حيث لم تقع فيه مساواة؟
قيل له : هذا الذي يدلّ على أنّ السّبق إلى نوع من النّظم لا يكون معجزا على وجه ؛ لأنّه ممّا لا بدّ من وقوع المساواة فيه والمماثلة ، كما وقعت في غيره من أوزان الشّعر وضروب الكلام الّتي سبق إليها ، ثمّ حصلت المساواة من بعد ؛ لأنّا قد بيّنا أنّ النّظم ممّا لا يصحّ حصول المزيّة فيه ولا التّفاضل. وليس ممّا يحتاج فيه إلى كثرة العلوم كما يحتاج إليها في الفصاحة ، بل العلم ببعض أوزان الشّعر يمكن
__________________
(١) قال الشريف المرتضى في كتاب الذخيرة / ٣٨١ : «وإذا لم يدخل في النّظم تفاضل فلم يبق إلّا أن يكون الفضل في السبق إليه ، وهذا يقتضي أن يكون السابق ابتداء إلى نظم الشعر قد أتى بمعجز ، وأن يكون كلّ من سبق إلى عروض من أعاريضه ووزن من أوزانه كذلك ، ومعلوم خلافه».