هذا القول ، وأنّه عنى به : لا نبيّ من البشر كلّهم ، وأراد بالبعد عموم سائر الأوقات المستقبلة ، قريبها وبعيدها ، اتّصل ذلك بنا على حدّ اتّصال اللّفظ ، حتّى شركنا سامعيه في معرفة الفرض ، وكنّا في العلم به كأحدهم. وفي ارتفاع كلّ ذلك من النّقل ، دليل على صحّة قولنا.
على أنّ التّحدّي لو كان مقصورا على الفصاحة دون النّظم لوقعت المعارضة من القوم ببعض فصيح شعرهم أو بليغ كلامهم ، لأنّا قد دللنا على أنّ خفاء الفرق علينا بين بعض قصار سور القرآن وفصيح كلام العرب ، يدلّ على التقارب المزيل للإعجاز. والعرب بهذا أعلم وله أنقد ، فكان يجب أن يعارضوا. وإذا لم يفعلوا ، فلأنّهم فهموا من التحدّي الفصاحة وطريقة النّظم ، ولم يجتمعا لهم.
فأمّا اختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر ضروب الكلام فأوضح من أن يتكلّف الدّلالة عليه. وكلّ سامع للشّعر الموزون والكلام المنثور يعلم أنّ القرآن ليس من نمطهما ، ولا يمكن إضافته إليهما. والدّلالة إنّما تقصد بحيث يتطرّق الشّبهة ، فأمّا في مثل هذا فلا.
وأمّا الّذي يدلّ على أنّهم لو لم يصرفوا لعارضوا في الفصاحة والنّظم جميعا ، فقد تقدّم في القول في الفصاحة ما يكفي (١).
وأمّا النّظم : فهو ما لا يصحّ التّفاضل فيه والتّزايد في معناه ، ولهذا ترى
__________________
٥ / ٣٦٣ ، ٧ / ١٧٦ ، ١٠ / ٢٧٨ ، ومصادر أخرى كثيرة. ولفظ الحديث المتّفق عليه عند الجميع ، أنّه صلىاللهعليهوآله قال لعليّ عليهالسلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».
(١) قال الشريف المرتضى رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨١ : «وممّا يبيّن أنّ التحدّي وقع بالنّظم مضافا إلى الفصاحة : أنّا قد بيّنا مقارنة كثير من القرآن لأفصح كلام العرب في الفصاحة ، ولهذا خفي الفرق علينا من ذلك ، وإن كان غير خاف علينا الفرق فيما ليس بينهما هذا التفاوت الشديد ، فلو لا أنّ النظم معتبر لعارضوا بفصيح شعرهم وبليغ كلامهم».