وأظهر مغزاه ، وإنّما منعنا في التّحدّي بالقرآن من حيث أطلق التحدّي به ، وعري ممّا يخصّه بوجه دون وجه ، فحملناه على ما عهده القوم وألفوه في التحدّي. ولو كان النّبيّ صلىاللهعليهوآله قد أفهمهم تخصيص التحدّي ـ كما ادّعيت ـ بقول مسموع لوجب أن ينقل إلينا لفظه ، والمقام الذي قامه الرسول صلىاللهعليهوآله فيه ، وليس نجد في ذلك نقلا.
وكذلك لو كان اضطرّهم إلى قصده بمخارج الكلام ، أو بما يجري مجرى مخارجه من الإشارات وغيرها ، من غير لفظ مسموع ، لوجب اتّصال ذلك أيضا بنا وحصول علمه لنا ؛ لأنّ ما يدعو إلى نقل الألفاظ المسموعة يدعو إلى نقل ما يتّصل بها من مقاصد ومخارج ، لا سيّما فيما تمسّ الحاجة إليه. ألا ترى أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا نفى النبوّة بعد نبوّته بقوله عليهالسلام : «لا نبيّ بعدي» (١) ، ثمّ أفهم السّامعين مراده من
__________________
(١) من الأحاديث المشهورة والمتواترة ، وقد نصّ الجميع على صحّته ، ورواه الشيعة والسّنّة في مجاميعهم الحديثيّة ومسانيدهم وصحاحهم ، نقلا عن جماعة من أعيان الصحابة : كأبي سعيد الخدريّ ، وسعد بن أبي وقّاص ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وابن عبّاس وعبد الله بن مسعود ، وأسماء بنت عميس وغيرهم. وإليك مصادر الحديث :
بحار الأنوار حيث رواه العلّامة المجلسيّ في مجلّدات عديدة ، ويكفيك أن تراجع المجلّد ٣٧ من ص ٢٠٦ لغاية ص ٣٣٧. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ١٧٠ ، ١٧٤ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٢ و ٣ / ٣٢ و ٦ / ٣٦٩. وفي فضائل الصحابة ٢ / ٥٩٨ ، ٦١٠ ، ٦٣٣ ، ٦٤٢ ، ٦٧٠. ورواه البخاريّ في صحيحه ٦ / ٣ باب غزوة تبوك ، و ٥ / ١٩ باب مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام. ورواه مسلم في صحيحه ٧ / ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢١. الترمذيّ في صحيحه ٥ / ٦٣٣ و ٦٤١. ابن المغازليّ في مناقبه ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦. وراجع أيضا : أسد الغابة ٤ / ٢٦ ، تاريخ دمشق لابن عساكر ١ / ١٣٢ ، ٢٢٥ ، مستدرك الصحيحين ٣ / ١٥٠ ، الخصائص للنسائيّ ٢٦٣ ، أنساب الأشراف ٢ / ١١٢ ، الغدير في الكتاب والسنّة