جرير (١) للفرزدق (٢) ، وجرير للأخطل (٣) ، وغير هؤلاء ممّن لم نذكره ، وهو معروف. وإذا كانت هذه عادتهم ، فإنّما أحيلوا في التحدّي عليها (٤).
فإن قال : عادة العرب وإن جرت في التحدّي بما ذكرتموه ، فإنّه ليس يمتنع صحّة التّحدّي بالفصاحة دون طريقة النّظم ، ولا سيّما والفصاحة هي التي يصحّ فيها (٥) التفاضل والتباين. وهي أولى بصحّة التحدّي من النّظم الّذي لا يقع فيه التفاضل.
وإذا كان ذلك كذلك غير ممتنع فما أنكرتم أن يكون النّبيّ صلىاللهعليهوآله تحدّاهم بالفصاحة دون النّظم ، فأفهمهم قصده فلهذا لم يستفهموه؟!
قيل له : ليس يمنع أن يقع التحدّي بالفصاحة دون النّظم ممّن بيّن غرضه
__________________
(١) هو جرير بن عطيّة بن حذيفة الكلبي التميميّ (٢٨ ـ ١١٠ ه) أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة. كان هجّاء مرّا ، وله مساجلات مع شعراء عصره ، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل.
(٢) هو أبو فراس ، همّام بن غالب ، من أشهر شعراء العرب. له مساجلات معروفة مع جرير. وهو صاحب الميميّة المشهورة يمدح بها الإمام زين العابدين عليهالسلام.
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
(٣) الأخطل : هو غياث بن غوث بن الصلت التغلبيّ (١٩ ـ ٩٠ ه) ، شاعر بني أميّة النصرانيّ. والمروّج لسياساتهم.
(٤) قال الشريف المرتضى في الذخيرة في علم الكلام / ٣٨٠ ـ ٣٨١ : «أنّه صلىاللهعليهوآله أطلق التّحدّي وأرسله ، فيجب أن يكون إنّما أطلق تعويلا على عادة القوم في تحدّي بعضهم بعضا ، فإنّها جرت باعتبار الفصاحة وطريقة النّظم ، ولهذا ما كان يتحدّى الخطيب الشاعر ولا الشاعر الخطيب ، وانّهم ما كانوا يرتضون في معارضة الشعر بمثله إلّا بالمساواة في عروضه وقافيته وحركة قافيته. ولو شكّ القوم في مراده بالتحدّي لاستفهموه. وما رأيناهم فعلوا ؛ لأنّهم فهموا أنّه صلىاللهعليهوآله جرى فيه على عاداتهم».
(٥) في الأصل : تصحّ فيه ، والمناسب ما أثبتناه.