وغيرهم ممّن سلك مسلكهم ، الكثير ممّا له وزن الشّعر وعروضه ، ولا معنى تحته يفهم.
وهذا الطّريق لو سلك على هذا الوجه في كلّ نظم لما تعذّر ، وهو يكشف عن صحّة ما اعتمدناه.
فأمّا تعذّر الشّعر على الخطباء والخطابة على الشعراء ، فليس ينكر أن يكون في النّاس من لا ذوق له ، ولا معرفة بالوزن ، ولا يتأتّى منه الشّعر. وكذلك ربّما كان فيهم من ألف الموزون من الكلام ، ومرن عليه ، فلا يهتدي لنظم الخطب والرّسائل.
وكما وجدنا ذلك فقد وجدنا من جمع بين الطريقين وبرّز في المذهبين ، وهم كثير. وليس كلّ من لم يقل الشّعر فهو متعذّر عليه ، بل ربّما أعرض عنه ؛ لأنّه لا داعي له إليه ، ولا حاجة له فيه. أو لأنّه ممّا لا يحبّه ويستحليه (١). أو لأنّه قد عرف بغيره واشتهر بسواه. أو لأنّ الجيّد منه النادر لا يتّفق له ؛ فقد قيل لبعضهم : لم لا تقول الشّعر؟ فقال : ما يأتي (٢) جيّده وأأبى رديّه.
ولعلّ كثيرا ممّن (٣) لا يقول الشّعر ولا يعرف به لو دعتهم إليه الحاجات. وبعثتهم عليه الرّويّات ، لأتوا منه بما يستحسن ويستطرف.
وقد قال بعض الشّعراء :
ما لقينا من جود فضل بن يحيى |
|
جعل النّاس كلّهم شعراء (٤) |
وكلّ الدّواعي والبواعث ، إذا أضفتها إلى دواعي العرب إلى المعارضة ، رأيتها
__________________
(١) في الأصل : ويستحيله ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) كذا في الأصل ، والظاهر : ما يتأتّى.
(٣) في الأصل : ممّا ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) ورد البيت هكذا منسوبا إلى بعض الشعراء. قاله في الفضل بن يحيى البرمكيّ. لاحظ : وفيات الأعيان ٤ / ٣٥.