الفصاحة وجوّد في الوزن الّذي يقصّر هذا فيه لا يكون كلامه في هذا الوزن معجزا للمقصّر فيه ولا مانعا له من معارضته لو طالبه بمقاربته ، فكذلك القول في القرآن.
وليس يمكن أحدا أن يدّعي : أنّ العادة إن كانت جرت بين المتفاضل من الكلام بما ذكرناه فإنّ الله تعالى خرق هذه العادة في القرآن ؛ لأنّه لا طريق يرجى (١) منه خرق العادة في هذا الموضع إلّا الصّرف الذي بيّناه. وإلّا ما ذا (٢) يخرق العادة ، والقوم متمكّنون من مثل فصاحته ونظمه ، ولا مانع من المعارضة ، والدّواعي متوفّرة إليها؟! وهذا كلّه يوجب وقوع المعارضة ، لو لا ما ذكرناه من الصّرف الذي به انخرقت العادة.
وإنّما يسوغ ادّعاء خرق العادة بغير الصّرف لمن جعل فصاحة القرآن مفاوتة (٣) لسائر كلام العرب ؛ حتّى أنّ أحدا منهم لا يتمكّن من مساواتها أو مقاربتها ، من حيث لم يخصّوا بالعلوم الّتي تحتاج المعارضة إليها ، أو قال في النّظم مثل ذلك. وهذا قد مضى ما فيه.
على أنّه لو كان ما ظنّه السّائل صحيحا لواقف القوم عليه النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولقالوا له : أمّا (٤) فصاحتنا في شعرنا وكلامنا فهي مساوية أو مقاربة لما جئت به وطريقته في النّظم ؛ فنحن قادرون عليها. وإن شككت فجرّبنا ، إلّا أنّه ليس يتهيّأ لنا كلام يساوي ما أتيت به في الفصاحة والنّظم جميعا ، حسب ما التمست منّا. كما لا يتهيّأ لبعض الشّعراء أن تكون فصاحته واستقامة معانيه في بعض أوزان الشّعر كما هي في غيره ، وإن كان متمكّنا من القول في سائر الأوزان؟! وإذا كان هذا التفاضل
__________________
(١) هكذا تقرأ هذه الكلمة ، وهي محشورة بين السطرين السادس والسابع ، وفوق الحرف كلمة : «منه» بحبر خفيف. وقد تقرأ : يراعى أو يدّعى.
(٢) في الأصل : فيما ذا ، ولعلّها سهو من الناسخ.
(٣) أي مغايرة.
(٤) في الأصل : ما ، والمناسب ما أثبتناه.