وبتعذّره عليه حكمنا (١) على أنّه ليس بعالم. وإن لم يكن ما استدللنا به من ذلك ذوات قائمة واقعا لا حادثة. وإذا صحّ هذا فالمعجز إنّما يدلّ على صدق الرّسول إذا حصل على وجه لم تجر به العادة.
ولا فرق بين أن يكون فعلا لم تجر العادة بوجوده على وجه مخصوص ، وبين أن يكون عدم فعل لم تجر العادة بانتفائه على وجه مخصوص ؛ لأنّ الله تعالى إذا كان قد أجرى العادة بأن يفعل في كلّ حال للفصحاء العلم بالفصاحة كما يفعل لهم بسائر الضّرورات من الصّنائع وغيرها ، فلا بدّ أن يكون منعه لهم في بعض الأحوال هذا العلم الذي تقتضي العادة استمرار تجدّده دالّا على النّبوّة ، إذا وافق هذا المنع دعوة مدّع للرّسالة.
ويحتجّ بأنّ الله تعالى يمنع من ذلك لأجله ، وعلى وجه التصديق له ، كما أنّه لمّا أجرى العادة بأن لا يمكّن الفصحاء إلّا من قدر من العلوم يقع لأجلها منهم قدر من الفصاحة معلوم ، كان تمكينه لبعض عباده ـ من العلوم التي يقع بها ما يتجاوز المبلغ الّذي جرت به العادة تجاوزا كثيرا ـ دالّا على النّبوّة ، إذا وقع عقيب الدّعوى والاحتجاج.
وكذلك لمّا كانت العادة جارية بطلوع الشّمس من المشرق. ولا فرق في الدّلالة على النّبوّة بين اطلاعها من المغرب إذا ادّعى ذلك بعض الرّسل ، وبين أن لا يطلعها جملة ، إذا ادّعى الرّسول أنّ الله تعالى لا يطلعها تصديقا له ، وعلمنا أنّ المتولّي لاطلاعها وتسييرها هو الله تعالى.
ولو كان أيضا ما يراه بعض المتكلّمين من أنّ العلم الحاصل عند الأخبار المتواترة ، ضروريّ من فعل الله تعالى ، وأنّه أجرى العادة بأن يفعله للعقلاء عند
__________________
(١) في الأصل : محكما ، والمناسب ما أثبتناه.