سماع الأخبار صحيحا ، يجري مجرى ما ذكرناه ؛ حتّى لو احتجّ محتجّ بأنّ الله تعالى لا يفعل لأكثر العقلاء العلم بمخبر الأخبار المتواترة ، مع تكرّرها على أسماعهم وكمال عقولهم ، ووقع ذلك حسب ما ادّعى ، لكان دليلا على صدقه.
وهكذا القول في جميع ما جرت به العادات ؛ لا فرق في الدلالة على النّبوّة بين ثبوت ما جرت بانتفائه وبين انتفاء ما جرت بثبوته ؛ لأنّه إنّما دلّ من حيث كان خارقا للعادة فمن أيّ الجهتين خرقها هو دالّ.
وممّا يزيد ما ذكرناه وضوحا أنّ دلالة المعجزات على النّبوّات محمولة على تصديق أحدنا لغيره فيما يدّعيه عليه ، إمّا بقول يدلّ على التّصديق ، أو بفعل ما يقوم مقامه. وقد علمنا أنّ أحدنا لو ادّعى عليه بعض أصحابه دعوى ما والتمس تصديقه فيها ، فقال له : إن كنت صادقا عليك فحرّك يدك في جهة مخصوصة ، أو ضعها على رأسك ، أو طالبه بغير ذلك ممّا يعلم أنّه لم يفعله مستمرّا على عادة له ، لكان إذا فعله دالّا على صدقه ، ويجري فعله مجرى قوله : صدقت. وكذلك لو طالبه بدلا ممّا ذكرناه بأن يمتنع من فعل قد جرت عادته باستمراره عليه فامتنع منه ، لقام مقام التّصديق بالقول.
وإذا لم يختلف الحال في تصديق أحدنا لغيره على الوجهين جميعا ، لم يختلف أيضا في تصديق الرّسل بالمعجزات على كلا الوجهين.
فإن قال : ما أنكرتم أن يكون عدم طلوع الشّمس ـ على الوجه الّذي ذكرتموه ـ ليس بمعجز ولا دلالة ، وأن تكون الدّلالة هناك ـ في الحقيقة ـ سكون الشّمس في الموضع الّذي سكنت فيه ، ولم تحرّك منه للطّلوع على مجرى العادة. وليس مثل هذا معكم في منع العرب عن المعارضة؟!
قيل له : هذا في نهاية البعد ، ومن أين للمستدلّ على النّبوّة أنّ الشّمس إذا غابت عن بلدة فلا بدّ من أن تكون باقية ، تقطع الأماكن حتّى تنتهي إلى أفق