النّاس قبل التحدّي والصّرف متمكّنين من السّبق إليها ، وغير ممنوعين منها.
وكلّ شيء وقع التمكّن منه فهو في حكم المعتاد المعهود وإن لم يوجد ، فكيف يصحّ الجواب مع ما ذكرناه؟
قيل له : إذا أجبناك إلى جميع ما اقترحته في سؤالك فقد أسقطنا شناعتك الّتي قصدتها ؛ لأنّ أكثر ما في كلامك أن يكون القرآن على مذهبنا غير خارق للعادة من حيث فصاحته ونظمه. وأن يكون خرق العادة راجعا إلى الصّرف عن معارضته. والعامّة وأصحاب الجمل لا يعرفون ما المراد بهذا اللّفظ ، أعني : «خرق العادة» ، ولا يعهدون استعماله ، فكيف يستشنعون بعض المذاهب فيه؟ وإنّما ينكر أمثال هؤلاء ما قد عرفوه وألفوه ، إذا قيل فيه بخلاف قولهم.
فإن سامجتنا في هذا الموضع ومنعتنا من إطلاق لفظة «معجز» على القرآن ، مع قولنا : إنّه غير خارق للعادة من حيث شرطت في «المعجز» أن يكون خارقا للعادة ، جاز أن نستفسرك في أوّل الكلام ، فنقول لك : ما تريد بقولك : فيجب أن يكون القرآن غير معجز؟
أتريد : يجب أن يكون الخلق ـ أو بعضهم ـ متمكّنين من معارضته ومساواته ، أو يكون (١) ممّا يستدلّ به على نبوّة النّبيّ صلىاللهعليهوآله وصدق دعوته؟
أم تريد أنّه يجب أن لا يكون خارقا للعادة بفصاحته ونظمه ، ولا علما على النبوّة بنفسه ، لكنّ قصور الفصحاء عنه يدلّ على الصّرف الّذي هو العلم في الحقيقة؟
وإن أردت الأوّل : فقد ظلمت ؛ لأنّا قد دللنا على أنّ معارضة القرآن متعذّرة على سائر الخلق ، وأنّ ذلك ممّا قد انحسمت (٢) عنه الأطماع ، وانقطعت
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعلّه : فلا يكون.
(٢) انحسم : انقطع وامتنع.