قيل له : من هؤلاء المسلمون الّذين ينكرون ما ادّعيته؟
فإن قال : هم النظّارون والمتكلّمون.
قيل له : معاذ الله أن ينكر هؤلاء إلّا ما أقاموا البرهان على بطلانه وقطعوا العذر في فساده ؛ فإن كانوا منكرين لذلك ـ حسب ما ادّعيت ـ فهات حجّتهم في دفعه ، لنسلّم لها بعد الوقوف على صحّتها. وما نراك إلّا أن تسلك طريق الاحتجاج.
وإن قال : هم الفقهاء ، وأصحاب الحديث ، والعامّة ، ومن جرى مجراهم.
قيل له : وكيف ينكر هؤلاء ما لا يفهمونه؟! ولعلّه لم يخطر قطّ لأحدهم ببال. والإنكار للشيء والتصحيح له إنّما يكون بعد المعرفة به والتبيين لمعناه. فإن أنكر هذا ـ ممّن ذكرته ـ منكر ؛ فلأنّه يستغربه ويستبدع (١) الخوض فيه ، لا لأنّه يعتقده كفرا وضلالا ، كما ينكر أكثر الفقهاء وجميع العامّة ذكر الجوهر والعرض والحدوث والقدم ، وإن كان كثير منهم يتسرّع إلى الحكم في كلّ ما لا يعرفه ويألفه بأنّه كفر وضلال!
إلّا أنّنا ما نظنّ أنّك تقاضينا إلى أمثال هؤلاء وتحاجّنا بإنكارهم ، فإنّنا لو رجعنا إليهم أو صغينا إلى أقوالهم لخرجنا (٢) عن الدّين والعقل معا ، وحصلنا على محض العناد والتجاهل!
وبعد ، فمتى قيل لمنكر هذا من الفقهاء والعامّة ـ ما نريد بقولنا : «إنّ القرآن ليس بعلم» إخراجه من الدّلالة على النبوّة ، ولا أنّ معارضته يمكن أحدا من البشر
__________________
وإنّما تنكر العامّة وأصحاب الجمل القول بأنّ القرآن ليس بمعجز ، إذا أريد به أنّه لا يدلّ على النبوّة ، وأنّ البشر يقدرون على مثله. فأمّا كونه معجزا ، بمعنى أنّه في نفسه خارق للعادة دون ما هو مسند إليه ودالّ عليه من الصّرف عن معارضته ، فممّا لا يعرفه من يراد الشناعة عندهم. والكلام في ذلك وقف على المتكلّمين».
(١) أي ينسبه إلى البدعة.
(٢) في الأصل : يخرجنا ، والمناسب ما أثبتناه.