أن يأتي بها (١) ، وإنّما أردنا كذا وكذا ـ رجع عن إنكاره ، وعلم أنّ الّذي نقوله بعد ذلك فيه ليس ممّا يهتدي أمثاله إلى تصحيحه أو إبطاله ، وأنّ غيره أقوم به منه. اللهمّ إلّا أن يكون مستحكم الجهل قليل الفطنة ، فهذا من لا ينجع فيه تفهيم ولا تعليم ، ولا اعتبار بأمثاله حسب ما قدّمناه.
فإن قال : ما عنيت إلّا العلماء النظّارين ؛ فإنّهم بأسرهم يعترفون بأنّ القرآن علم على النبوّة ، وينكرون قول من أبى ذلك.
وأمّا التماسكم ذكر حجّتهم في ذلك فحجّتهم هي الإجماع الّذي هو أكبر الحجج. والفقهاء المقتصرون على الفقه ، وأصحاب الحديث والعامّة ، وإن لم يعرف في ذلك أقوالهم متجرّدة ، فهم تابعون للعلماء والمتكلّمين.
ولو ذهبنا إلى اعتبار أقوال العوامّ ومن جرى مجراهم في الإجماع طال علينا ، ولم نتمكّن ـ نحن ولا أنتم ـ من تصحيح دلالة الإجماع في باب واحد!
قيل له : كيف يسوغ لك ادّعاء إجماع أهل النظر ، والنّظّام (٢) وجميع من وافقه ، وعبّاد بن سليمان (٣) ، وهشام بن عمرو الفوطيّ (٤) وأصحابهما
__________________
(١) في الأصل : أو يأتي به ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) هو أبو اسحاق إبراهيم بن سيّار البصريّ النظّام ، من أئمّة المعتزلة ورءوسها ، نشأ بالبصرة ثمّ رحل إلى بغداد واشتهر ، وصارت له مدرسة وتلامذة وأتباع. كان نابها فطنا فحارب الدهريّة والأشاعرة والحشويّة وأهل الحديث والمرجئة والمجبرة. كان يقول بأنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أفضل الخلق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحاربته المذاهب السنّية واتّهموه ووصفوه باقترافه الموبقات. كان شاعرا فقيها جدليّا. توفّي ببغداد ما بين سنتي ٢٢٠ ـ ٢٣٠ ه. له مصنّفات عديدة.
(٣) عبّاد بن سليمان من أعلام المعتزلة ومنظّريها ، وكان من أصحاب هشام بن عمرو الفوطيّ. له كتاب باسم «الأبواب».
(٤) هشام بن عمرو الفوطيّ البصريّ ، من أصحاب أبي الهذيل العلّاف ، ولد بالبصرة ونشأ بها