خارجون عنه.
فأمّا النّظّام فمذهبه في ذلك معروف. وأمّا هشام وعبّاد ، فكانا يذهبان إلى أنّ الأعراض لا تدلّ على شيء ؛ فالقرآن ـ على مذهبهما ـ لا يصحّ أن يكون دالّا على النّبوّة ولا غيرها. وقد صار هشام وعبّاد إلى الموضع المستشنع الذي رمت أيّها السّائل أن تنحله أصحاب الصّرفة. وإذا خرج هؤلاء عن الجملة لم يعدّ القول إجماعا من المتكلّمين.
وبعد ، فلو لم يخرج من ذكرنا لم يكن إجماعا أيضا ؛ لأنّ المتكلّمين ليس هم الأمّة بأسرها. وإذا كنّا قد بيّنا أنّ من عدا المتكلّمين لا يعرف هذا ، وربّما لم يفهمه ، وأنّ فيهم من إذا سمع الخفض (١) في هذا القرآن ـ علم أو ليس يعلم ـ استبدع أيّ قول قيل في ذلك ، واعتقد أنّ من قوّة (٢) الدّين وصحّة العزيمة فيه الإضراب عن تكلّف أمثال هذه الأقوال. وفيهم من إذا فهمه رضي بعض المذاهب فيه ، وسخط بعضا. فكان من ليس بمتكلّم من سائر المسلمين لا قول له في هذا الباب ، ولا اتّباع ولا رضى.
وإنّما لم تحصل أقوال العامّة وأصحاب الجمل في مسائل الإجماع كما حصلنا أقوال الخاصّة وآراءها ، لعلمنا بتسليمهم ذلك للخاصّة ، واتّباعهم فيه ؛ فيكون هذا الاتّباع والانقياد قائما مقام القول الموافق لأقوالهم. وليس هذه حالهم فيما سأل عنه السّائل. وكلّ إجماع لم يكن هكذا ، فهو غير صحيح.
ومن صار إلى ادّعاء الإجماع في مسائل الكلام اللّطيفة الّتي تخفى عن كثير من العقول كمسألتنا هذه ، فعجزه ظاهر.
__________________
ثمّ سافر إلى بلدان عديدة ، وكان معتزليّا من دعاة الاعتزال ، وله آراء يختصّ بها. له مصنّفات عديدة على مذهب الاعتزال.
(١) أي التنقيص والتقليل من شأنه.
(٢) في الأصل : مرفوعة ، والظاهر ما أثبتناه.